تفجير الشارع لا يحل الأزمات
لم تثبت في أيّ من التجارب التي شهدتها المنطقة، جدوى تفجير الشارع (بالمظاهرات) فيما بات يطلق عليه (ثورة الجياع) في بعض الدول المجاورة، فسرعان ما تتحول التظاهرات التي تبدأ مطلبية إلى مواجهات وعنف وتخريب وتدمير مقدرات الدولة، ويمكن أن تتطور في كل مرة إلى حالة فوضى قد ينتج عنها ضحايا بشرية، والنتائج دوماً تكون الصفر، أو ما دون الصفر.
يسيطر اليوم الهم المعيشي، والضائقة المالية، والغلاء، وعدم توفر أساسيات الحياة من محروقات وغذاء وكساء ودواء للمواطنين، بسبب ثنائية الحصار والفساد، فلم يعد خافياً على أحد موضوع تجفيف العملة الخضراء من المنطقة عموماً، بعد فشل عدد من الخطط الأولية التي استخدمت الارهاب المنظم لإسقاط الدول فصار اليوم دور نوع آخر من الحروب (حرب التجويع) التي تستهدف الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة والأكثر فقراً، وهي بطبيعة الحال الأوسع انتشاراً في دول المنطقة، والضغط على الحكومات الشرعية، لتفشل أمام شعوبها في تأمين أبسط المتطلبات، يضاف إليها الفساد المستشري في مفاصل تلك الحكومات والذي يتسبب في عدم القدرة على توزيع المقنن والمتوفر من الأساسيات بعدالة، كل هذا يهدف إلى تفجير الشارع، وتأزيم الحالة الاقتصادية لتتحول إلى موجات جديدة من التظاهر المولد للعنف والفوضى.
وتزيد توتر تلك الحالة المتأزمة وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحوي ما يفكر فيه العامة، ومع كثير من التحريض عبر صفحات معظمها لا تُدار من داخل الدول التي تستهدفها، عبر دعوات التظاهر وملء الشوارع والقيام بانتفاضة ضد الجوع والبرد والفساد، واللعب على وتر حساس لدى بعض الجماعات ضمن البلدان ذاتها، إضافة الى دور بعض المحطات التلفزيونية ووسائل الإعلام التقليدي الهادف لتمرير أجندة سياسية معينة تصبح الأمور جاهزة للانفجار.
في المقابل تعاني الحكومات عموماً من ضعف القدرة على إدارة تلك الأزمات فهي موبوءة بالفساد الإداري والمالي والتقني، ولم يتوطن لديها (حتى اللحظة) الإيمان بضرورة وجدوى ولزوم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتوضح الحقائق وتستجيب للشكاوى وتأخذ بالاشارات التي تمنحها إياها تلك الوسائل فيما لو كلفت من هم قادرون على التعامل معها، كفرق إدارية متخصصة ومدربة لمثل هذه المهمات الجسام، وجعل صفحاتها وصفحات مساعدة لها بمثابة نافذة واحدة للتواصل مع المواطن، إضافة إلى دورها في تقصي حالات الفساد في القطاعات الحساسة واتخاذ الاجراءات اللازمة بسرعة وحسم، ومتابعة العدالة في توزيع المتوفر ريثما تنجلي الأحداث السياسية التي تفرض على تلك الحكومات الكثير من القضايا، كي لا تفشل شعبياً وتتحول تلك الحكومات القاصرة إلى فاكهة مضروبة في صندوق الدولة، ويكون الحل في رميها خارجاً.