مساحة حرة

مواجهة “كورونا” بين العيب والواجب

لم يتصور “زهير” أن أبويه لن يردا عليه السلام بعد أن أبلغ راصدي وباء “كورونا” عن تسلل ابن الجيران “محمود” من احد دول الجوار خلسة، فهو بنظرهم قام بأمر معيب جداً و”سود وجههم بين الجيران”.. فما قام به ابنهم البكر دفع كل الجيران إلى لوم أبو زهير على هذه التربية !!.

طبعاً، ما جرى مع “زهير” وتعامل أهله وجيرانه معه، يقودنا إلى مسألة خطيرة جداً نعاني منها هذه الأيام في مواجهة تفشي وباء “كورونا” وهي التعاطي السلبي مع الذين تظهر عليهم أعراض المرض أو حتى المشتبه بإصابتهم نتيجة قدومهم من دول تعاني من انتشار الفيروس كـ”محمود” مثلاً.. فـ”زهير” (بطل قصتنا الافتراضية) ارتكب عيباً كبيراً لمجرد أنه أراد حماية أسرته وأحبائه في الحي و”محمود” منهم من انتشار وباء قاتل، فالواجب بنظر من انتقده أن ينأى بنفسه عن هذه المسألة وأن يتركها لغيره.. ربما الحكومة تقوم بذلك، المهم أن لا تأتي من طريقه، لأنه بفعلته هذه أصبح عوايني.

إن الاستمرار في تكريس هذه المفاهيم والتقاليد في التعامل مع ما نمر به اليوم في مواجه الوباء الخطير، وغيرها من القضايا الحاسمة، يعني أننا مازلنا أمام وضع خطير جداً، فرفض التعاون مع السلطات الصحية لمواجهة الوباء وحماية المجتمع قد يعرضنا لكارثة كبيرة لا يمكن أن نحتمل عواقبها..

صحيح أننا واجهنا على مدى السنوات التسع الماضية حرباً إرهابية غير مسبوقة استهدفت الحجر والبشر، وصحيح أن القذائف والتفجيرات لم ترهبنا، ولم تمنعنا من مواصلة حياتنا، وحفر طريق النصر بدماء الشهداء وتضحيات الجرحى، ولكن في المواجهة اليوم مع وباء كورونا، فإننا أمام معركة مختلفة تماماً تعتمد على الصبر والوعي، فالإجراءات التي اتخذتها الحكومة على مدى الأيام والأسابيع الماضية، للحد من انتشار الوباء، لن يكون لها فائدة إذا لم نتحلى بالصبر من خلال الالتزام في البيوت والتقييد بالتعليمات والتوجيهات الصحية التي تمنع انتقال الفيروس القاتل، والأهم الوعي في حماية مجتمعنا من تفشي المرض..

فالدافع أولاً يجب أن يكون ذاتي قبل كل شيء، ففي الحالة التي تم ذكرها، كان يجب على “محمود” الذي عاد إلى حيه أن يضع نفسه بتصرف السلطات الصحية لحماية نفسه، فلنا أن نتخيل أنه لو كان مصاباً ماذا سيحصل، بالتأكيد سيخسر حياته وحياة عائلته وكل من خالطه، والأخطر سيحول حيه إلى بؤرة موبوءة بالمرض يشكل خطر على المدينة التي يقطنها.

وثانياً وعي من المجتمع، الذي يجب أن ينقلب على عادات ومفاهيم بالية، والالتفات إلى التعاون والتفاهم والتكاتف لمنع تعرضه للأخطار والمشاكل، فما قام به “زهير” ينم عن وعي كبير وحرص على عائلته وأبناء حيه، وليس إخباراً بقصد الإضرار بالآخرين، وعليه فإننا مطالبين اليوم بوعي أكبر وتعاون فعال لتجنب تفشي الوباء، فكل منا مطالب بأن يأخذ دوره في حماية مجتمعه وصونه من الأخطار التي تحدق به وكورونا منها، فنحن قطعنا شوطاً مهماً في مواجهته والحد من انتشاره، وما بقي يفرض علينا التزاماً وتعاوناً أكبر بالتعليمات والتوصيات الصحية حتى نصل إلى بر الأمان.

ونص قانون مكافحة الأمراض السارية الصادر عام 2007 في المادة الثالثة عشرة منه:”يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من خمسين ألف ليرة سورية إلى خمسمائة ألف ليرة سورية  كل من قام عن قصد بإخفاء مصاب أو عرض شخصاً للعدوى بمرض سار أو تسبب عن قصد بنقل العدوى للغير أو امتنع عن تنفيذ أي إجراء طلب منه لمنع تفشي المرض الساري”.

سنان حسن