الشريط الاخباريمساحة حرة

القوة الصارمة تغلب مناعة القطيع

هو زمن الجائحات والحروب غير المسبوقة، ذلك أمر مقدر، لكن المسؤولية تتبدى بقدرة الشعوب على النهوض وتجاوز الحروب والملمات وتطويع كل الظروف والإمكانات للتغلب على هذه المصائب بل الذهاب أبعد من ذلك، بتحويل الظروف الصعبة، أياً كان مداها، لفرص استثنائية لإثبات الوجود والتميز، لتبرهن، وبجدارة، قوتها وقدرتها على تحويل الأزمات إلى فرص..

استطاعت الصين وعبر العديد من التحديات التي مرت بها إثبات أنها النموذج الأقدر على تحويل الحروب المختلفة التي تتعرض لها إلى مرحلة جديدة تعيد خلالها اكتشاف قدراتها وبناء ذاتها وفق رؤية صائبة تعتمد فيها منهج الاعتماد على الذات والتركيز على النجاح مهما كان صعباً..

ليست جائحة الكورونا، الشغل الشاغل للعالم، والتي تعرضت لها الصين، أول التحديات التي تمر بها، وإن كانت أصعبها، فقد تمكنت سابقاً من مواجهة أزمات مالية واقتصادية خطيرة، من ذلك الأزمة الآسيوية لعام 1979 والأزمة المالية لعام 2008، لتنجح في اجتيازها، وليتصدر اقتصادها المراتب الأولى عالمياً.

الفيروس الجديد أعلن هجومه على الصين في مرحلة تشهد فيه البلاد أزمات داخلية وخارجية لا يمكن تجاهلها، ليس أولها الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، والعقوبات والحصار الذي تعرضت لها شركة “هواوي” الصينية، وليس آخرها إدراجها من قبل وزارة التجارة الأمريكية على ما يسمى “القائمة السوداء”، خلال العام الماضي، والتضييق على أهم شركاتها، لتعلن الصين المواجهة مجدداً، وتستنهض كل مقدراتها لمحاربة العدو الجديد، واستطاعت، وفقاً للإحصاءات الدولية اليومية لضحايا الفيروس، أن تطوق الوباء وأن تفرض إيقاعها القاسي عليه، فبعد أن كانت أعداد وفياتها هي الأعلى، باتت تسجل اليوم أقل الإصابات في العالم، وفي الوقت الذي يجتاح فيه الوباء الدول وينذر بانهيار شامل لكل القطاعات ويتسبب بإغلاق الأسواق وإيقاف الطيران ويحرم مئات الملايين من الأطفال من التعليم، وبينما تبدو الحكومات غارقة في البحث عن سبل لاحتواء الوباء، تبدو الصين، الذي ظهر فيها الفيروس لأول مرة، الأقرب والأقدر على تجاوز هذه المحنة.

سياسة “القوة الصارمة” التي اتبعتها الصين حين اجتاح الوباء البلاد، استطاعت أن تثبت نجاحها، رغم الانتقادات الدولية الواسعة التي وجهت لها في البداية، حيث استنفرت بكل كوادرها ومواردها لاحتواء هذه الجائحة لتعلن الحجر على حوالي 60 مليون شخص في هوبي، وفرض قيود صارمة على السفر، وعلى التنقل، وعلى الحياة الاجتماعية، في مقاطعات عدة، هذه الاستراتيجية التي فرضتها الصين وضعت البلدان الأخرى التي تشهد تفشياً للفيروس أمام تحد كبير حول مدى أهمية تطبيق هذا النهج، الذي انتقدته مسبقاً، ومدى قدرتهم على ذلك، وعلى الرغم من بروز نظريات وبروتوكولات أخرى لاحتواء الأزمة، وميل بعض الدول لها، مثل نظرية “مناعة القطيع”، والتي تنحا باتجاه عدم تطويق الوباء وجعله ينتشر ليكتسب الناس المناعة ضده، إلا أن العلماء أكدوا فشلها، كما أن أغلب الدول اختارت اتباع النهج الصيني في التعامل مع الجائحة، والذي أثبت نجاحه إلى الآن.

وفي الوقت الذي تشير فيه التقارير الدولية إلى أن الاقتصاد الصيني سيلعب دوراً هاماً في إنقاذ الاقتصاد العالمي في قادمات الأيام، يبدو جلياً الآن التحول الكبير في السياسات والعلاقات الدولية، لتتجه في أغلبها نحو الصين، كشريك سياسي واقتصادي قوي، ولعله إنساني في المقام الأول.

هديل فيزو