مجتمع

رمضان “مختلف”

رمضان هذا العام مختلف بكل تفاصيله، فالأمر لا يقتصر على جائحة فرضت نفسها على الإنسان والزمان في كل مكان، ولا يقف حدود حجْر مكاني غير مسبوق، نعيش خلاله تجربة حية مختلفة بقوانينها وثقافتها وخصوصيتها، وليس أمامنا إلا القبول بها والامتثال لها ريثما نتجاوزها، ونمر منها بسلام، بل إن الوباء فرض إيقاعه على ما نأكله ونشربه ونلبسه ونقرؤه، وحتى ما نراه..

الرؤية المقصودة هنا لا تقتصر على الرؤية الفردية الذاتية التي تشكلت وتبلورت وتركت آثارها المختلفة لدى كل منا خلال الأزمة المعاشة، فالمعاناة هنا ليست فردية، ولم تقتصر على عائلة أو دولة فحسب، هي معاناة اجتاحت العالم، وخلقت رؤية جمعية عبر محنة عالمية مشتركة، بدا فيه التضامن مع الذات والعائلة وحتى مع العالم هو الحل، فلا بد لنا من النجاة، ولا يمكن لأحد أن ينجو وحيداً، في الوقت ذاته، هو واقع استثنائي، ومعطياته وحلوله كانت استثنائية أيضاً، فالمسألة لم تقتصر على التفكر بمن هم حولنا، بل إننا عشنا  أبعاد المعنى الحقيقي للصراع بين الذات والغير، بين الفرد بأناه وأنانيته وبين الجماعة وما يفرضه قانونها من التزامات، بين السعادة الشخصية وبين المسؤولية الأخلاقية تجاه الآخر، كل ذلك عبر تجربة معاشة وجديدة تتضمن تسخير أنفسنا وكل ما باستطاعتنا لمقاومة الوباء، بكل ما يحمله ذلك من قيم الإرادة والإيثار والإحساس بالآخرين والصبر والأمل، أليست هذه معاني الشهر الفضيل؟..

حتى الرؤية البصرية والبصيرية لكل من حولنا، وما حولنا، للأشياء والكائنات والحياة، قد تغيرت، ولو نسبياً، وفق قانون وبائي بتنا نتحدث بلغته ونرى الكون من خلاله، وندرك أبعاداً أخرى له تتجاوز الجائحة والمرض والخوف من الموت، فبالقدر الذي تكون فيه التجربة صعبة ومختلفة، تصبح قادرة على الخلق والتغيير وإعادة تشكيل الرؤى والمفاهيم.

هو رمضان مختلف، لأنه أتى في زمان مختلف باتت فيه رؤيتنا للحياة أكثر عمقاً، وقدرتنا على مواجهة الأزمات، مهما اشتدت، أكثر قوة وثباتاً، ونحن المشهود لنا بالصبر على المحن، يحق لنا الاختلاف والتفرد أيضاً ليس في شدة الأزمات، بل بالقدرة على تجاوزها مهما اشتدت..

هديل فيزو