هل تكشف العقوبات واقع الهدر الذي نعيش فيه؟
لا يمكن أن ننكر الأثر السلبي والغير عادل للعقوبات الاقتصادية، فهي تهدف للتضييق على السوريين، إلا أن تلك العقوبات تكشف في جانب منها مدى استهتارنا وتقاعسنا واتكالنا على الدولة، باعتبار أن الدولة تملك المال الوفير، أو باعتبار البعض أنهم لن يضعوا من جيوبهم شيئاً، ناهيك عن ثقافة الفساد أو الرزقة التي توضع “على جنب” على هامش صفقات هنا وهناك، او استيراد قطع تبديل أو صيانات دورية أو طارئة، وغيرها…
مناسبة هذا الكلام ما قرأناه حول تمكن أحد مهندسي شركة إسمنت حماه من صيانة مولد للأشعة السينية لجهاز تحليل العناصر الكيميائية في المعمل رقم / 3 /، هذا العمل أُنجز بعد تعذر استيراد الجهاز -كما ورد في نص الخبر- وحقق المهندس بذلك وفراً مالياً يقدر بـ / 200 / مليون ليرة، وأحيا جهازاً لتحليل الأشعة كلفته كاملاً نحو مليار ليرة فهو يتكون من عدة أقسام ومن بينها مولد الأشعة السينية الذي تم إصلاحه بعد أن تعطل وانعدمت قدرة شركة الإسمنت على استيراده بسبب العقوبات الاقتصادية.
السؤال الهام هنا ماذا لو لم تكن تلك الاجراءات موجودة؟ هل كانت الشركة ستستورد الجهاذ بمبلغ الـ /٢٠٠/ مليون ليرة؟!
أعتقد أن الجواب في الواقع الذي ساد ويسود مؤسساتنا العامة إلى اليوم هو نعم؟!
ما يعني أننا في مواجهة حالة تستدعي تغييراً جذرياً في الذهنية، والتفكير فعلاً بعقلية صاحب المِلك وليس بعقلية الموظف، ففي طبيعة الأحوال مؤسسات الدولة مِلكُ الشعب والقائمون عليها هم جزء من هذا الشعب.
وعلى مؤسساتنا التفكير ألف مرة في كيفية تمكين الخبرات القادرة على صنع مثل هذه الانجازات، وحالة مهندس شركة الاسمنت ليست الوحيدة لأننا سمعنا قبلها عن شئ مشابه في قطاع الكهرباء والصحة وغيرها..
نعم كانت تلك المبادرات وليدة الحصار والأزمة والعقوبات التي كشفت في جانب منها واقع الهدر الذي نعيش فيه، والمطلوب أن لا تكون مبادرات يتيمة ومقطوعة ومبتورة، حتى ولو رُفعت العقوبات عن بلادنا يوماً، وينبغي أيضاً أن يكون الجزاء من جنس العمل، وأن يكافئ المبدعون بما هو حق لهم ولنقل ما نسبته ١٠% من قيمة ما حققه من وفر لا أن يهضم حقه، وهو ما يحصل حالياً، فتبرد همته، وتعود سلسلة الهدر ونهب المال العام لتتصدر المشهد..
بلال ديب