ثقافة وفن

الفن موهبة وليس صنعة

ينتظر الناس عند حضورهم المعارض الفنية لوحات لا تخل من البهجة، والحياة الرغيدة الواقعية الصارخة ذات الألوان الزاهية، فهي لاتحتاج للوقوف أمامها أكثر من دقيقة لفهمها، ما يصعب المهمة على الفنان، ويقيّد روحه الإبداعية، ويشعل القلق في نفسه، خاصة ممن يتقنون الفن التشكيلي، أو من يصورون ملامح الرعب والمعاناة والألم.

ففي مسابقة الفن التشكيلي للفنانين الشباب في المركز الوطني للفنون البصرية قدم الأغلبية، لوحات بمحتوى جريء، وكشفت عن الألم الذي يمر به الفنان والضغوطات وانعكاسات الحرب على النفوس، والكثير من الزائرين لم تستوقفهم تلك اللوحات عدا أصحاب الاختصاص، بسبب غموضها وتشويش ألوانها القاتمة رؤياهم.

لكن مالم يدرك حتى الآن، أن الفن يقدم حتى القبح والمعاناة بصيغة جمالية، وأننا نحتاج في بعض الأحيان إلى أن نشعر بالظلام حتى ندرك النور، وإعطاء اللوحة وقت كافي للغوص في تفاصيلها يسمح لتلك التفاصيل العبور للعقل ليبدأ بتحليلها بشكل مفصل أكثر.

في لوحة “زحل يلتهم ولده” التي رسمها الفنان العالمي فرانشيسكو غويا جعلت بعض المحللين النفسيين يعتقدون بأن غويا ذات روحاً شريرة، لكن غويا كان له اعتبارات أخرى فبعد أن أصيب بالصمم، بقي لغويا ذكربات الحرب الأهلية الإسبانية وأفعال نابليون بالاسبانيين.

واذا دخلنا لعمق هذه اللوحة القاتمة، والتي غطى الأسود المساحة الأكبر، وحسب إحدى النبوءات أن زحل سيطيح به أحد أبنائه وينتزع ملكه فأخذ يأكل كل طفل له يولد بعد ولادته، وهي انعكاس لما عاشه الفنان في تلك الحقبة.

الرسام لديه مهمة صعبة، وهو إيصال أفكاره للناس فقط ولا يستطيع أن ينجرف إلى ما يريده الآخرون، يصور مايراه فقط فهو ليس صنعة، وإلا أصبح رساماً أبلهاً يرى العالم في المرآة دون اختراق هذه المرآة، ويتحولون إلى رسامين تجاريين “عالموضة” أي يرسمون مايطلبه الناس فقط حتى يضمنون نجاحهم، وبعد حضور مسابقة الفن التشكيلي للفنانين الشباب لاحظنا أن اللوحات التي تمتعت بجرأة الأداء والفكرة وعمق المضمون، لا تحظ بالكثير من المعجبين، مما يؤكد أن الناس مازالت تعتبر الفن موضة وهوبعيد كل البعد عن ذلك.

لأنه إذا كان موضة سيتحول الرسامين إلى تجار ويصبح الفن وسيلة تجارية، وصنعة تخلو من الخيال القوة التي لا يملكها إلا الفنان الحقيقي.

البعث ميديا || ريم حسن