أخبار البعثسلايد

من السردية التاريخية للحرب على سورية تكامل وظيفتي: الإرهاب.. والتهجير

د. عبد اللطيف عمران
يتساءل المهتمون بوظيفة وطبيعة السردية التاريخية القادمة للعدوان على سورية عن وثائقية الصفحات التي ستقرؤها الأجيال القادمة، وعن مصداقية هذه الصفحات وموضوعيتها، وعن مدى تأثيرها في التاريخ المعاصر، وفي مستقبل الأيام والأجيال والأوطان.. وكذلك في العلاقات الدولية.
ومن هذا القبيل، قرأنا عدداً من الأسئلة الموجهة إلى الرئيس بشار الأسد، ومن أجوبة سيادته المهمة على الموقف التاريخي القادم من العدوان على قلب العروبة النابض، من حيث موضوعية هذه الأجوبة ووطنتيها بحيث ستكون، وباقي كلمات سيادته، الفيصل في (التأريخ)، وفي تحويل السردية التاريخية إلى ظاهرة (تاريخانية) وعلمية في وقت واحد، تكون كفيلة بدحض الانحراف في المرويات والاستثمار السلبي في تدوين تاريخ غير مطابق للحقيقة وللأخلاق وللعلم أيضاً.
هذه السردية المنشودة وطنياً وأخلاقياً وعلمياً لا ينجزها السياسيون ولا الحزبيون وحدهم، ولا الذاكرة الجمعية الوطنية، في وقت تم العمل فيه على تشويهها، بل هي بحاجة إلى علماء وباحثين مختصين وحرفيين، فنحن أمة تاريخية بكل ما في الكلمة من معان . . ففكرنا الأصيل العروبي، والقومي، والحضاري، والديني لا يغادر التاريخ، ومن صفحات هذا التاريخ وتوظيفها توظيفاً هداماً نُستهدف ونُحارب ونقتتل، وذلك على محك المفارقة بين حضور الوعي والهوية وتغييبهما.
هذه الحاجة يصقلها التدقيق والتمحيص في مفردات هذه السردية، التي غالباً ما أسهم الغزو الإعلامي والتضليل الجارف في حرف غبر قليل من وقائعها.. كأن نقول مثلاً: (الاستثمار السياسي في اللجوء)، والواقع أن الصحيح الابتزاز لا الاستثمار، فالاستثمار من الفعل أثمر.. على غرار ما كرّس أسلافنا الاستعمار مصطلحاً مشتقاً من عمّر – خلاف الأكاديميين العرب، بل في القطر الواحد، على تنوع مشاربهم حول تباين الدلالة الفكرية والموقف السياسي لـ: الاستعمار، الاحتلال، الفتح العثماني للوطن العربي – والأمر نفسه في مفردة (اللجوء)، إذ الإشكالية هنا أكبر، والصواب: الهجرة، والأصوب: التهجير، فغالباً ما يقود الترخّص اللغوي إلى خلاف مستقبلي، فاللجوء هو من الخارج إلى الوطن، بينما (الهجرة) هي من الوطن إلى الخارج: هجرة الرسول – هجرة المسلمين إلى الحبشة – المهاجرون والأنصار . . وهناك كثير من هذا القبيل في هذا السياق.
في المسألة السورية، ومعاناة المواطنين من العدوان على الوطن والدولة والشعب، كان هناك هجرة (تهجير) من سورية، في الوقت الذي طالما كانت فيه (سورية المكان الذي يلجأ إليه الآخرون هرباً من الاضطرابات و . . التي سبّبها) العثمانيون والغرب سابقاً وحديثاً، كما أوضح الرئيس بشار الأسد في كلمته خلال افتتاح (المؤتمر الدولي لعودة المهجرين إلى الأراضي السورية: دمشق 11-12 تشرين الثاني 2020)، حين بيّن سيادته كيف عمل أعداء الشعب السوري منذ بداية العدوان على (خلق ظروف مفتعلة لدفع السوريين إلى الخروج الجماعي ليكون ذلك مبرراً للتدخل في الشؤون السورية.. وكان الإرهاب الذي دمّر وقتل وشلّ الحياة العامة)!!.
وفي سياق مقتضيات السرد التاريخي الموضوعي والعلمي، تُعد كلمة السيد الرئيس هذه صفحة من الصفحات الوثائقية العديدة والغنية التي طالما اجتهد في سردها لتكون الصالحة بل الضرورية لأخذ العبرة، والعلم، اليوم ومستقبلاً، من أبناء شعبنا وأمتنا وشعوب العالم لوعي الحقيقة بما فيها من ظلم واستهداف وتدمير وحشي غير مبرر لمستقبل السوريين شعباً ودولة ووطناً، وليعرف الجميع القيم العالية لمضمونات هذه الكلمة (التاريخية)، ولا سيما في توضيح أبعاد وملامح الموقف الوطني العربي السوري من التضافر السلبي لثنائية الابتزاز في الإرهاب والتهجير، حيث فُرض على المهجرين (البقاء في الخارج عبر الإغراء حيناً، والضغوط والتخويف أحيانا أخرى)، وفي الداخل تم دعم الإرهاب وأهدافه بالحصار والعقوبات و(إعاقة جهود مؤسسات الدولة السورية الهادفة إلى إعاد تأهيل البنى التحتية للمناطق التي دمّرها الإرهاب).. وكان لتركيز سيادته على الصبغة (الوطنية) في هذا المجال منطلقات ودلالات عديدة، تجلىّ بعضها في التحليل العلمي والمنطقي للعناصر الثلاثة المترابطة، والمركبة، لقضية (المهجّرين).
إنّ السرديات الموضوعية والإنسانية التي دارت مفردات خطابها في المؤتمر الدولي لعودة المهجّرين تدحض السردية الغربية والرجعية العثمانية والعربية، التي لا تزيّف فقط قضية المهجرين، بل مجمل وقائع العدوان على سورية، والتي بيّنت أن (النظام الأمريكي) – على حد تعبير السيد الرئيس – كان ولا يزال يركّز اهتمامه بقضايا المنطقة على أمرين: النفط – الصهيونية، ما دفع هذا النظام إلى استمرار التحشيد الداخلي والإقليمي والدولي على سورية، تحشيداً تضافرت فيه الجهود الوحشية للابتزاز في ثنائية الإرهاب والتهجير.
هذه الثنائية التي تعد القاعدة الأساسية التي أُسّست عليها تاريخيا كل من الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني (المعنى الأمريكي لإسرائيل)، المعنى الذي استلهمته «داعش» و»النصرة» لخلق واقع مطابق جديد إحلالي إبادي استيطاني في هذه المنطقة.
ومن الضرورة العلمية والإنسانية والوطنية والقومية أن يتكامل ويتفاعل الحوار والتأليف بين الأحزاب والمنظمات والنقابات والمؤسسات البحثية الوطنية والعروبية والشعوب الصديقة في هذا السياق لنسف السردية الصهيوأطلسية – الرجعية العربية – العثمانية.