إحياء ذكرى العظماء
طبيعية هي الحياة التي نعيشها، تفرض علينا ابتعاداً قسرياً عن الثقافة بالمفهوم التقليدي للكلمة، فعدو الإنسان المضني منذ بداية يومه حتى المساء من أجل تأمين ضرورات الحياة، يسلب منه الوقت الذي يحتاجه من أجل ممارسة حياة فكرية وثقافية نشيطة، أو على الأقل تذوّق شيء من الثقافة والفن.
في دول العالم الراقي وعت الحكومات والمؤسسات الثقافية ووزارات التربية والثقافة هذه المواقع، وأدركت أن ذهنية الحياة العصرية إذا تم الاستسلام لها فهي قادرة على أن تجرّد الجيل الجديد والجيل السابق، وكل الحياة من جذورها ومن قيمها ومن مفاهيمها العميقة للفكر والثقافة، لذلك عمدت هذه الهيئات إلى التنسيق فيما بينها من أجل إحياء ذكرى العظماء في حاضرها وماضيها، ولذلك فهي تضع البرامج المكثفة والمنوعة من أجل تعريف كل الناس بهذا المخزون الراقي الذي يشكل أساساً متيناً لحاضر وغد سليمين، وهكذا يتم اختيار أسماء الأشخاص الذين تصادف تواريخ ميلادهم أو وفاتهم أو أي مناسبة مهمة في حياتهم، في فترة محددة، ثم يوضع برنامج احتفالات حافلة في كل أنحاء البلاد التي ينتمي إليها هذا العبقري المقرر التعريف عنه في المدارس والجامعات والمسارح والأندية ووسائل الإعلام كلها، فتنهض كل فئة بدور يعهد إليها من أجل إعادة التعريف عنه وربط الأجيال الحاضرة بماضيها.
ففي المدارس تلقى المحاضرات، وتُعرض الأفلام الوثائقية، وتنظم الرحلات إلى مسقط رأس المكرَّم بعد أن يكون قد تحول منزله أو أي أثر يمت له بصلة إلى متحف يؤمّه المهتمون، وتعرض المسرحيات عنه، وتعقد الندوات لإعادة تقييمه، وتنظم الأمسيات الفنية، كلّ ذلك لإبقاء ذكرى المبدعين حيّة، ولإقامة تواصل بين حاضر الأجيال وماضيها، وبذلك تؤدي كل الهيئات المنوط بها صناعة فكر الإنسان دورها.
كم نحتاج نحن في البلاد العربية إلى الاقتداء بهذا الأسلوب الراقي لإعادة تعريف الناس والأجيال الجديدة خصوصاً بماضيها، وإعادة زرع بذور الثقافة في وجدانها، فتنبت قيماً ووعياً وفكراً مستقبلياً نيراً.
إننا إذا أجرينا إحصاء بين الناس لتبيّن لنا، من دون مبالغة، ما يزيد على الثمانين في المئة، يجهلون أسماء العلماء والفلاسفة الذين تزدحم بهم ذاكرة الماضي.
إن تعريف الجيل الجديد من الناس، خصوصاً، بعظمائهم يعزز إيمانهم بوطنهم ويعزز ثقتهم بأنفسهم، فيشعرون أنهم إذا أرادوا فهم قادرون على الإبداع، وعلى المساهمة في صناعة الحضارة البشرية.
د.رحيم هادي الشمخي