سلايدمجتمع

“التريند” والعالَم الأسود

دون أن تشعر الضّحية، يسرقها من ذاتها، يحاول استدراجها بأساليبه الصادمة والغريبة والرّخيصة أحياناً، للوصول إلى مبتغاه، يغيّب فكرها وعقلها ويسلب شخصها للدرجة التي تتحول فيها مرآة تعكس ما تراه دون إدراك أو تفكّر، يتسلّل إلى حياتها شيئاً فشيئاً إلى حد الإدمان والهيمنة الكاملة على تفاصيل حياتها والتدخل في سلوكها وطريقة نظرتها للواقع وربما في أسلوب تربيتها..

هي بعض صور لضحايا سيطر عليها عالَم مخيف، خلق فجوة، لا يمكن ردمها، بين استعراضاته المزيفة وبين واقع ضحاياه الحقيقي، عالم خطير غاب فيه القانون، رغم أنه قد يمثل أكبر منطقة مفتوحة للإرهاب والجرائم، إلاّ أنّ خطورته الأكبر تتبدّى بتربّعه وتسيّده على البيوت وربّما النّفوس..

عالم الإنترنت، رغم مزاياه التي أذهلت العالم، ورغم إيجابياته التي لا تعد والتي كان لها أثرها الكبير على البشرية، إلا أن المساحات السوداء التي يكتنفها هذا العالم ليست أقل أثراً، أثر بات ملموساً إثر قدرته للوصول إلى كل البيوت وإلى كل الناس، بمختلف أعمارهم ومستوياتهم الثقافية والفكرية، وهنا تكمن الخطورة، بمدى قدرته على التأثير بشريحة واسعة من الناس ربما لا تمتلك ما يؤهلها لمقاومة الأفكار المظلمة والهادمة التي يحتويها، لتنجرف معها وتنساق وراءها دون رادع أو يقين، في ظل الساعات الطويلة التي يقضيها المرء مع هذه الأفكار وتشرّبها أمام الشاشات، والتي ربما تتجاوز الساعات التي يقضيها مع أهله.

الغريب في هذا العالم هو التسابق والتهافت المحموم للوصول إلى “التريند”، والحصول على أعلى نسبة من التفاعل، حتى ولو كان ذلك على حساب الأخلاق أو الأدبيات والسلوكيات العامة التي لا تمت للمجتمع الذي تروج فيه بصلة، مع الحرص على اتباع أسلوب الصدمة والإدهاش في محاولة لحصد المتابعات أياً كانت الوسيلة ومهما كان الثمن، المهم الوصول إلى الـ “تريند”، من خلال التفاعل، والمطلوب أن يصبح المتابع حجر نرد في لعبة كبيرة بات، دون أن يدري، طرفاً فيها، لعبة يستفيق منها على الفراغ وعلى اللا شيء..

إثارة الجدل المتعمّد ومحاولة جذب الناس ربما تكون طريقة ذكية للتفاعل، شرط تقديم محتوى لائق ومناسب للمشاهد، لكن المشكلة تكمن في تعمّد إثارة الجدل والترويج لمحتوى ما بطريقة مستفزة وربما منفرة، ومخجلة أحياناً، مع ما يرافق ذلك من اتباع أسلوب النميمة والشائعات المغرية الكاذبة، والاعتماد على فضائح المشاهير أو الصور والمَشاهد التي لا تناسب المتلقي وتصدمه، ومن ثم احتلال منصات التواصل وفتح باب الجدل الذي لا ينتهي حول الأمر، وخلق بروباغندا موجهة لإعطاء الأمر أكثر من حجمه وخطف الوعي الجمعي وإبعاده عن التفكير البنَاء بالأمور الجادة والقضايا المصيرية وتوجيهه نحو ما لا يستحق الوقوف عنده، وما ينبغي الترفّع عنه وتجاهله تماماً.

أمام هذا العالم المفتوح والمخيف في ظلّ غياب الضوابط والقانون، وأمام مدى جدوى فرض الضوابط الذاتية وتعزيز الحصانة التي قد تحمي من التأثّر والانقياد وراء ما تبثّه بعض هذه العوالم من سواد وسموم فكرية وسلوكية، تلوح هنا الكثير من الهواجس حول المدى الذي قد يبلغه هذا العالَم وآثاره وتداعياته على الإنسان وعلى البشرية جمعاء، كما تزداد المخاوف من اتساع مساحاته السوداء للدرجة التي تطغى بها على ما تبقى من زواياه المضيئة.

البعث ميديا|| هديل فيزو