مجتمع

مظلة الأمان

كثيراً ما نتعلم من الطبيعة أهم دروس الحياة، وهو أن العطاء ينعكس أثره الطيب والإيجابي على كل شيء، بما في ذلك الأرض، فالإنسان، إن الإنسان عقل وقلب، ونحن نخاطب عقل الإنسان بعض الوقت، ولكننا ننسى قلبه في أغلب الأوقات، وربما كان هذا سبباً في أن الأجيال الجديدة تندفع وراء الطموحات المادية، تاركة النبض الإنساني الرقيق والعظيم، وكأنه لا يعني شيئاً في الحياة الإنسانية أو كأن الإنسان يمكن أن يعيش بلا قلب، وأن هذا القلب هو مجرد عضو زائد في الكيان البشري، وهذه ليست حقيقة على الإطلاق، فالإنسان ليستطيع أن يواصل الحياة دون وجود هذا العضو أو ذاك، ولكنه لا يمكن أن يعيش لحظة واحدة دون وجود القلب، سواء كان قلبه الحقيقي، أو قلباً صناعياً يتنفس من خلاله وينبض دمه ويتدفق في هذه الظروف أو تلك.

إذن فالإنسان لا يستطيع دون قلب، كما أنه لا يمكن أن يتعامل مع الحياة ومع الناس دون عقل، والذي يفقد عقله يجد نفسه خلف أسوار عالية تحول بينه وبين الحياة والناس، ولكن من الغريب أن الذي يفقد قلبه يجد نفسه في هذا الوضع، وربما كان السبب في ذلك أننا لن نتعود على وجود هذه النماذج من قبل، حيث كانت هناك مبادئ وأسس وأخلاقيات تحكم الحياة، ولكن في عصرنا هذا أصبحت السيطرة شبه الكاملة للماديات، ولذلك فقد كثيرون قلوبهم في زحام الحياة، وفي الجري وراء المادة وفي الاقتتال من أجل مزيد من المكاسب، رغم أن كثيرين لا يعرفون أين يمكنهم أن ينفقوا ما بين أيديهم الآن، أردت أن أكشف عن هذه الحقائق أو بمعنى أدق، أن أبين هذه الصورة لأنها غريبة علينا نحن بالذات أبناء مجتمع العلاقات الإنسانية الدافئة منذ قديم الأزل، والتي أكدت فيها الأديان السماوية أهمية هذه العلاقات وضرورة الحرص عليها، ولعل أبرز نموذج لذلك، تلك الدعوة الكريمة التي تقول (أحب لأخيك ما تحب لنفسك) كما أننا في أمثالنا العلمية نؤكد أن النبي “محمد” عليه السلام، قد أوصى بسابع جار، ولا نريد أن نجري وراء كل هذه الأحوال التي تؤكد حقيقة ما ندعو إليه، ولكننا نريد أن نلفت الأنظار إلى هذا الجفاف الذي أصاب حياتنا الاجتماعية فأصبحت على هذه الدرجة من المشقة النفسية، والجفاف العاطفي الذي أتحدث عنه، ليس مقصوداً به تلك العلاقة التي تقوم بين الرجل والمرأة، ولكن قصدي من الحديث عنه أن يشمل كل جوانب العلاقات سواءً، كانت بين الأب وأولاده، والأم وأولادها، والإخوة فيما بينهم، والأقارب والجيران والأصدقاء، ثم علاقات العمل وما يجب أن يسودها من مودة واحترام متبادل ومن تقدير وتعاطف، في كل هذه العلاقات نجد أن شيئاً من الجفاف قد أصابها الفتور، وأخشى ما أخشاه أن تستمر هذه الحالة وأن تتزايد، فتتمزق العواطف والعلاقات نهائياً، ولذلك فنحن نقف إلى جانب كل دعوة تستهدف دعم هذه العلاقات وإعادتها إلى ما كانت عليه، بل إننا أضفنا إلى هذه الدعوات دعوة جديدة تتمثل في عيد الأسرة الذي يستهدف أول ما يستهدف إعادة وشائج المحبة والمودة بين المغتربين العرب وعائلاتهم خارج وطنهم العربي الكبير سواء كان هذا الاغتراب بسبب الهجرة، أو بسبب الدراسة أو بسبب العمل في الدول العربية الشقيقة.

إن مهمة أصحاب الأقلام العربية الآن هي الدعوة إلى عودة روح الحب والوفاق والتلاحم في البيت الواحد، وبين الأسرة الواحدة، حتى تكون هذه الدعوة هي بداية الطريق إلى علاقات اجتماعية ناجحة ووطيدة، كما كان عليه الأمر على مدى قرون طويلة.

وأخيراً يستطيع الإنسان أن يزرع الحب في أي مكان حتى لو في قلب أرض الكراهية، فالحب أكبر من الكراهية، وأكبر من الأحقاد، الحب هو نبض الحياة، ولا حياة دون نبض.

 

د. رحيم هادي الشمخي

عضو اتحاد الكتاب العرب