مجتمع

علاقة الأم بابنتها… ما سرّ نجاحها؟

ما إن تبلغ الفتاة سن الثانية عشر حتى تبدأ طباعها تتغير وتصبح أكثر حدة وعنادا، هي مرحلة المراهقة التي تعتبر من أدق وأهم مراحل النمو في حياة الفتيات حيث تؤثر التغيرات النفسية والجسدية التي تبدأ عند مرحلة البلوغ على شخصية الفتاة عندما تصل لمرحلة الشباب والنضوج.

حول سمات المراهقات وكيفية تعامل الأمهات معهن ونوعية العلاقات التي تنشأ بين الأم والمراهقات كان لنا لقاء خاصا مع الأخصائية الاجتماعية “ندى بعبع” التي بدأت بذكر سمات شخصية الفتاة المراهقة من تغير سريع، ومزاج متقلب، إذ تصبح سريعة الغضب وأحيانا بلا أسباب واضحة، مما يعرّضها للاكتئاب والميل للوحدة والعزلة في بعض الأحيان، وبالتالي تصبح تتصرف بطريقة متناقضة بين التسرع والعنف والمرح والحزن تارة.

آراء مراهقات

ديالا طالبة ثانوي تقول أمي عقليتها “دقّة قديمة” فهي بعيدة كل البعد عني لا تفهم بالتكنولوجيا ودائما تبدأ خلافاتنا حين أتصفح الانترنت، فهو برأيها ينزع الأخلاق ويفسد العقول.

أما صبا طالبة ثانوي فتقول أمي تتدخل في أدق تفاصيل حياتي من لباس وصحبة أصدقاء فهي تريدني نسخة عنها بلباسها وتصرفاتها، ولا تسمح لي بالخروج من المنزل بحجة خوفها وحرصها الشديدين خاصة بعد أن توفي أبي وبتنا بلا سند نحتمي به.

ريم طالبه إعدادي تقول أنا وأمي صديقتان واكتفي بها عن كل صديقاتي بالصف، بينما هبة على النقيض تماما تقول أمي متسلطة وتريد إطاعتها في كل ما تقول بحجة أنها أمي وهي أدرى بمصلحتي وأنني صغيرة كأنني حمل صغير وسط غابة تريد حمايتي وسجني في البيت بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

تعقيبا على حزمة الآراء السابقة استذكرت لنا الأخصائية أنواعا من علاقات الأم بابنتها والتي يختلف تأثير أنماطها على البنت:

1- الأختان: تكون الأم وابنتها متساويتين وتتصرفان كأختين، وقد تنعكس الأدوار خلال هذا النمط من الأمومة، فتتولى البنت دور الداعم وتصبح أما لأمها وتتحمل معها المسؤولية والعناية بالبيت، وغالبا ما تكون الفتيات اللائي تربين بهذه الطريقة أكثر مسؤولية من غيرهن ويتمتعن بصفات قيادية، كما يقدرن الحدود بين الناس، إلا أنهن قد يعانين من الشعور بعدم الحب والإهمال العاطفي والخوف من الرفض.

2- الصديقة المقربة: هذه العلاقة مبنية على الثقة، وفيها تكون الأم أول شخص تلجأ إليه الابنة عندما تستجد عليها فكرة أو تواجه مشكلة، أي تكون الأم منخرطة في حياة ابنتها وتوفر لها الدعم اللازم حسب احتياجها.

هذا النمط من العلاقة بالأم يمنح البنت القدرة على مواجهة التحديات وتحمل المخاطر، كما يكسبها القدرة على تكوين علاقات صحية، ويحميها من مشاعر الخوف من الرفض.

3- الغريبتان: إذا كنت تفضلين أن تظل أمك بعيدة عن حياتك، وأن تكون آخر من يسمع عما يستجد فيها، فإن علاقتك بها تنتمي لهذا النوع الذي تبدو فيه الأم وابنتها كالغريبتين لا تكادان تعرفان بعضهما ولا تتشاركان الأفكار والهموم إلا في حدود الضرورة.

وهذا النمط من العلاقة مضر، حيث إن الأطفال الذين تكون الرابطة بينهم وبين والديهم ضعيفة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق وضعف تقدير الذات، وقد يؤثر ذلك سلبا على علاقتهم بشريك حياتهم فيما بعد. وفي المقابل، فإن هذا النمط من العلاقة يدفع البنت لتصبح مسؤولة ومستقلة، ويمنحها القدرة على حل مشاكلها بنفسها.

4-تقليل الشأن: هذا النمط من العلاقة شبيه بالذي قبله، لكنه من طرف واحد ويتضمن قدرا من النرجسية، وفيه تركز إحداهما، الأم أو البنت على نفسها فقط، وينصب اهتمامها على صورتها وما يعتقد الناس عنها بدلا من الاهتمام بالأخرى وعلاقتها بها، فتبدو مثالية للشخص البعيد لكنها في الواقع تقلل من شأن ابنتها أو والدتها.

في الحالات التي تكون فيها الأم هي النرجسية لا تشعر البنت بحب الأم وتعاني نقصا عاطفيا وترافقها الحاجة للاطمئنان بشأن مشاعر الآخرين تجاهها. أما إذا عكس الأمر فكانت البنت هي التي تتصف بالنرجسية ولم تحاول الأم تغيير موقفها، فقد تكبر الفتاة لتكون أنانية غير مبالية بالآخرين

5- الرفض: هذه حالة أخرى من الرفض من جانب واحد، حيث تتجاهل الأم إنجازات ابنتها مهما فعلت ولا تعبر عن فخرها بابنتها، ويرجع الأمر غالبا لعدم المبالاة أو لمحاولة الأم تحفيز ابنتها لبذل المزيد من الجهد وتحقيق المزيد من النجاح.

هذا النمط من التربية يدفع الفتاة للشك في قدراتها ويشعرها بأنها غير جديرة بالاهتمام أو أي نوع من المشاعر.

6- المشجعة: تتميز هذه العلاقة بحرص الأم على تشجيع ابنتها انطلاقا من رغبتها في أن تحصل على أفضل ما تقدم الحياة وسعيها لأن تخوض التجارب. ترغب هذه الأم في مشاركة ابنتها في كل شيء ولا تعترف بحدود بينهما، وينبع ذلك غالبا من أحلام الأم التي لم تحققها بنفسها والأشياء التي لم تختبرها.

هذا النوع من السلوك قد يقود إلى فقدان الشعور بالذات لدى الفتاة ويقودها للاعتماد على الناس، فتجدها بحاجة دائما إلى شخص ما بجانبها ويسلبها القدرة على اتخاذ قراراتها بنفسها.

7- المتسلطة: في هذا النمط من التربية تكون الأم متحكمة بشكل مفرط في شؤون ابنتها، فتدير أمورها باستمرار ويسيطر عليها الشعور بأن ابنتها ستفشل ما لم توجهها.

الفتيات اللائي يتربين بهذه الطريقة يعانين من ضعف تقدير الذات وعدم الثقة بالنفس ويملن لتسفيه آرائهن، الأمر الذي قد يؤدي لإصابتهن بالاكتئاب، وفي المقابل فإنهن يتميزن بتحمل المسؤولية والإخلاص في علاقاتهن.

كلام من ذهب

الفتاة في سن المراهقة تتسم بالحياء أحيانا مما قد يسبب اضطرابا في التحدث، أو التعامل مع الآخرين، كذاك رفض المراهقين للاستماع للوالدين، أو الكبار، مما يختلق كثير من المواقف الحادة عند التعامل سويا، كذلك عدم الإنصات للنصح مما يوتر العلاقة الأسرية، وتعد الأم هي الأقرب دائما للأبناء وخاصة البنات ولخلق علاقة سوية حميمة بينهما لابد من إتباع بعض النصائح بحسب الأخصائية كتوخي الحذر عند التعامل مع ابنتها بتوجيه الإرشادات بطريقة هادئة، والابتعاد عن الأوامر المباشرة والشدة والتي في الأغلب تلقى رفضا من البنات في هذه السن، وقد يؤدي لانحرافهن، إضافة لعدم اللجوء للتوبيخ والنقد اللاذع في التعامل معها، وتفادي السخرية من تصرفاتها أو مشاعرها حتى لو كانت الأم غير قابلة لما تفعله، ويمكن متابعة تصرفات الفتاة عن بعد لحمايتها من الخطأ، والنصح بطريقة غير مباشرة، ليس هذا فحسب بل قد تعاني بعض الفتيات في هذه المرحلة من القلق والخوف من بعض الأشياء، فلا داعي للنقد والسخرية، بل يجب احتواءها وطمأنتها حتى تختفي هذه المشاعر السلبية، وخلق صداقة وصراحة متبادلة بينهما من سن الطفولة، وهذا يجعل الابنة تلجأ للأم في تساؤلاتها خاصة في سن البلوغ، وعدم اللجوء للأصدقاء والغرباء الذين قد يضرون بالابنة في نصحهم وإجاباتهم، وهناك أيضا الاستماع الجيد الذي يجب على الأم تعلمه والتحكم في انفعالاتها عند سماع الخطأ حتى النهاية، ثم البدء في النصح بطريقة لبقة هادئة يجعل الفتاة تتقبل النصيحة بصدر رحب، وأيضا التعامل مع الابنة في هذه المرحلة كأنها صديقة ناضجة، وعدم معاملتها كفتاة صغيرة.

ومن النصائح التي قدمتها المختصة أيضا عدم مقارنة الابنة بفتيات العائلة، أو صديقاتها، فلكل منهن قدراتها، وشخصيتها المختلفة، بل يجب الإكثار من التشجيع يعطي احساس من الثقة بالنفس، والحب المتبادل.

في ختام الحديث وبعد شرح مفصل استعرضته الأخصائية ندى يبقى سلوك الفتاة ونهجها رهن أسلوب الأم وطريقة تعاملها معها، إما أن تكون الدرع الحامي لابنتها في وجه مطبات الحياة بكل أشكالها وتكون ملاذها الآمن، أو أن تبحث عند  الآخرين الغرباء عن ملجأ يحتويها، فكوني أنت الصديقة والأخت قبل أن تكوني الأم.

 

البعث ميديا|| ليندا تلي