مجتمع

“التنور” حكاية ريفية لازالت تدغدغ مشاعر السوريين

البعث ميديا || ذكاء أسعد:

“التنور” ذاك البناء الصغير من الحجر والطين والذي كان يعتبر ركنا أساسيا من أركان كل منزل ريفي …تجتمع حوله القلوب لتمتلئ دفئا ومحبة وعندما تستعر ناره تضيء على تلك الوجوده السمراء الجميلة وتتحرك السواعد الخشنة لحمل رغيف الطحين المعد من القمح المبارك وتضعه في لجة النار ليخرج اسمرا خشنا مضاهيا بصورته صور تلك الوجوه.

يمر عابر سبيل من الجوار فيعبق بأنفه رائحة الخبز الطازج و”المحمرات” فيقترب من التنور مباركا لأهله وتتسارع الدعوات له لتذوق الخبز والجلوس قليلا لتبادل الأحاديث ، لم يكن هناك مايمنع الحب والخير والجمال ولكن بفلسفة الطيبة المفرطة التي كان يمتاز بها أهل الريف ولم يكن هناك مايمنع السخاء رغم الفقر والقلة وكانت البيوت مليئة بالحب قبل ان تكون مليئة بالقمح والطحين.

أم محمد عجوز ريفية في العقد الثامن تقول “كنا نضع القمح في بيوتنا مايكفي مؤونة عام كامل ،نطحن مانريد منه ونخبز على التنور كل اسبوع مرة تقريبا بما يكفي أسرة وكنا نحتفظ بالخبز برداء من القماش الخام ليبقى محافظا طيلة الأسبوع على جودته وكنا نقوم بصناعة أنواع المعجنات بعد أن ننتهي من الخبز وهي غذاء اليوم الذي كنا فيه وربما لليوم التالي أيضا ، وبجانب التنور كانت تحدث قصص الحب بين العاشقين التي غالبا ماتنتهي بالزواج “.

وإن غادر التنور بيوتنا ، فسيبقى في ذاكرتنا الجميلة طيفا وضيفا يحضنا على الحب والتفاؤل لاسيما أنه لازال القليل منه حاضرا تتخذه بعض الأسر مهنة لتقديم الخبز الطازج والمعجنات لأولئك العابرين على الطرقات كما لازال في ذاكرة المحبين وأغاني العاشقين التي تذكر (سعادة التنور بتجمع الزينات من حوله ) وليبقى القمح السوري أنشودة مباركة تدفع الجميع للمحافظة عليه لتعود بركة رغيف الخبز لكل بيت.