ثقافة وفن

“حتّى إشعال آخر”.. مجموعة شعريّة لرائد خليل

عن دار العراب للنشر والتوزيع، صدرت، للفنان والشاعر رائد خليل، المجموعة الشعرية “حتى إشعال آخر”، التي تنضم لعقد تأملات خليل الملونة الخمس السابقة.

حملت قصائد المجموعة عنواناً ثابتاً “المحطة”، وكل قصيدة هي بمثابة محطة تحمل رقماً متتالياً، يطل منها رائد على عوالم متداخلة ومتشابكة بين وجدانه ورؤاه، بين ما يختزنه في نقي عظام خاطره، وبين ما اشتعل أمامه كعود كبريت، مُفرجاً ضوءه عما يعتريه ويهجس به.

عوالم ملونة على شكل رؤى، منها ما هو راسخ في ذاكرته البعيدة، يستحضرها مشعلاً في جنباتها حطب الألفة، كما في “المحطة 1” التي يلفها حنين الشاعر الأزلي لعوالمه الأولى، فيرسل سلامه على تفاصيلها المكونة لذاك المشهد الذي لم يزل طرياً في ذاكرته، يقول: “سلاماً على الصرخة البكر/ محفوفة بابتسامة أمي/ سلاماً على ثغر هذا المصير/ وقد سطّر الحب ذكرى تألم منها القدر/ وفي المحطة 6، يرمي خليل نرد رغباته الطويلة الأكمام، فيقول: تستسهلون لمس مواجعي/ وتلصقون على حبكة المجاز بحة الناي المنسي/ آه منكم/ دربي المنقبض على مصيره/ ألقى رغائب الفجر على قارعة الهمم/.

من تلك العوالم أيضاً ما ينكشف أمامه، برحابة قوس قزح تارة، وتارة بثقل قلم رصاص يروج ويجيء صريره على بلاط السؤال المرّ، الجاثم فوق أنفاسه، يقول في “المحطة 29”: ما عدت استلهم على سطوري/ سوى وجوه الخيال المألوف/ في الجدوى ألف مقصورة/ تسير على وشائج الاحتمال/ لكنها تزيدني ولعاً، بسبر أغوار الخفقات/.

ثمة صخب وربما ضجيج، يتملل في المجموعة، في قصائدها تحتشد طاقة وصفية عالية، صور كثيفة ومتلاحقة، مفردات تحمل إيقاعات مختلفة الإيحاء، ثمة تشكيل “مموسق” للهذيان أو تنويط له.

عن تداخل الكاريكاتور مع الباقة الشعرية المقدمة بعنوان تأملات ملونة، يقول الشاعر: “مهمتنا الاستمرار وعيوننا على المدى، وهذا المدى هو مجموعة خيوط من قبس نستطيع أن نجيّره حسب المناخ النفسي فنياً وشعرياً، فالارتباط واحد ضمن حلقات الرؤية التي لا تعتمد الأساس المعرفي في مسيرة الحياة فقط، ولعلّ ما يعززها حقيقة هو الممارسة العقلية العملية المستندة إلى قناعات تتجسّد في العمل والتصرفات، وهنا أشير إلى أحد الفلاسفة وهو من زعماء المذهب الحواسي الذي قال: «هناك فرق بين الرؤية والنظر»، وهذا يعني أن الأعمى ينظر ولكنه لا يرى، وكلما كثَر ما في العقل، ازدادت حاجة الإنسان إلى التحليل والتركيب، إنّ نظرتنا إلى الأمور دون رؤية حقيقية تقودنا إلى حالة التردّي التي نشهدها على الصعد كافة”، ثم يتابع في السياق نفسه، وفي تنويع على السؤال التجريدي قائلاً: “ترتبط الفنون عادة بعلامات تتقاطع في مشتركات لفظية، ولكنْ تختلف توصيفات القراءة حسب الخصائص، وترتيب العناصر وأبحاثها، بعيداً عن ترادفية المعنى المشترك”.

وأما عن دلالة عنوان المجموعة “حتى إشعال آخر” يقول رائد خليل: “هي محطات عمري منذ الصرخة الأولى إلى أسئلة المناجاة، حيث توقف الزمن برحيل أمي، فلا تستغربوا جمري في تلك الأسئلة”..

أم الشاعر هي العلامة الدائمة الاخضرار في خياله، يفتتح محطاته بالسلام عليها، ويقفلها في “المحطة 50” بالتسليم برحيلها، وما تركه ذلك الرحيل الكبير في قصيدته: رحلت أمي/ صبرية خليل /فلا تستغربوا جمري في أسئلة المناجاة..

المجموعة من القطع المتوسط، وتقع في 100 صفحة.

 

تمّام علي بركات