سينما الحرب.. مسؤوليّة أخلاقيّة وفنيّة ووطنيّة
لم يكن أمراً مقبولاً عند القائمين على لقاء “شآم والقلم”، الذي يُعقد شهرياً في المركز الثقافي العربي–أبو رمانة، بإدارة الإعلامية فاتن دعبول، أن يقتصر الحديث على العنوان المختار “سينما الحرب”، بوجود المخرج باسل الخطيب، والكاتب حسن م.يوسف، حيث اتّسع اللقاء للحديث -إلى جانب سينما الحرب- عن عدة قضايا سينمائية.
الوثيقة ليست مقدسة
أشار الكاتب حسن م. يوسف بدايةً إلى أن مفردة حرب باللغة الصينية تعني أزمة وفرصة، فهي أزمة لبعض أفراد المجتمع وفرصة للبعض الآخر، لذلك فموضوعاتها كثيرة ولن تنتهي، ورأى أن الحرب أستاذ في فن القسوة والفقدان والإجرام، وهي في الوقت ذاته أستاذ في البطولة والبسالة والإيثار وحب الناس والوطن، مؤكداً أن أنبل حرب في تاريخ المنطقة يخوضها جيشنا الآن، مشيراً إلى رفضه لفكرة أن الفن مرآة الواقع، حيث الفن برأيه ليس مرآة بل استبصار للواقع، موضحاً أن الفن عندما يقدم الواقع كما هو لا يأتي بجديد في الوقت الذي يجب عليه أن يكشف ما هو مخبّأ ضمن قوانين هذا الواقع.. من هنا رأى يوسف أن الوثيقة في سينما الحرب والأعمال التاريخية ليست مقدسة، وهي بالنسبة له تمثل وجهة نظر كاتبها، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لم يكتب حرفاً في هذه الأعمال، ليس له سند وثائقي، ومع هذا فهو لم يعتبر نفسه قدم حقيقة تاريخية بل وجهة نظره بالتاريخ، منوهاً إلى أنه كتب عن يوسف العظمة بعد أن قرأ كل ما كُتِب عنه وكل ما قيل، ولكن دون أن يتقيد بما قرأه: “ذوّبتُ كلّ شيء في قلبي وقدّمتُ الصورة كما تجلّت في قلبي” وهو لم ينسب للعظمة أي كلمة لم يقلها، وهذا ما فعله في مسلسل “حارس القدس” من خلال شخصية المطران ايلاريون كبوجي الذي عاش نحو 94 عاماً، حيث كان من الضروري اختصار كل هذا العمر في 24 ساعة، مبيناً أنه كان محظوظاً بوجود شريك له هو المخرج باسل الخطيب، لأن لديه وحدة أسلوب في طريقته بالإخراج، استطاع من خلالها أن يضفي وحدة الأسلوب على هذا الموضوع الكبير.
الكتابة لعنة
وككاتب، بيّن حسن م يوسف أنه ينحاز دوماً للناس وللحلم وللفن بالدرجة الأولى الذي هو أرقى أشكال الاقتصاد، ورأى أن كل ما لا يساعد العمل الفني على الطيران والحطّ في قلوب الناس يجب أن يرمى في القمامة، فالدراما كما قال هيتشكوك “هي الحياة وقد اقتطعت منها اللحظات المملة” متحدثاً يوسف في نهاية حديثه عن دبلوم السينما الذي يدرّس فيه منذ سنوات، وأنه سعيد بوجوده مع الشباب وهو يتعلم منهم الكثير لأنهم أساتذة في الصبر وتحويل اليأس إلى أمل على الرغم من ضعف الإمكانيات وقلة الفرص، وقد نجحوا من خلال سنة دراسية واحدة تقديم أعمال فازت بجوائز في المهرجانات العالمية، لذلك يصر في كل المناسبات على التأكيد على إيمانه الكبير بهم.
سينما الواقع
وبيَّن المخرج باسل الخطيب أن الحروب مثلما تُظهر أسوأ ما في الإنسان تظهر أيضاً أنبل ما لديه، مؤكداً أن موضوع الحرب سيتم الاشتغال عليه لسنوات طويلة قادمة لعدة أسباب، أهمها أن السينما توثق وتؤرخ ما جرى في الحرب التي عشناها، حيث سيشاهد الناس هذه الأفلام بعد عقود لأنها المرآة الحقيقية المعبّرة عن معاناة الشعب السوري، مشيراً إلى أن السينمائيين ما زالوا يستلهمون قصصاً وأحداثاً جرت في الحروب العالمية بإطار سينمائي جديد ومختلف، موضحاً الخطيب أن اختيار موضوع الحرب ليس خياراً فنياً فقط بالنسبة له كمخرج بل مسؤولية أخلاقية وفنية ووطنية تجاه نفسه والبلد الذي تربى فيه، ورأى أن المهم ليس تناول هذه الموضوعات بل كيفية تقديمها، مؤكداً أن سينما الحرب هي سينما الواقع الذي عشناه وكنا ضحايا فيه، لذلك فإن أفلام سينما الحرب لم تقدم من وجهة نظر غريبة، بل من وجهة نظر عاشوها وتأثروا بها، منوهاً إلى أن كل مخرج يتناول هذا الواقع من خلال رؤيته ووجهة نظره، وأن ما يميز مخرجاً عن آخر أمانته وصدقه بنقل هذا الواقع، مشيراً إلى أن أكثر ما كان يعاني منه في هذه الأعمال هو أن التصوير كان يتم في أماكن عاش أفرادُها الحرب واختبروها، فهنا يصبح التحدي كبيراً، وعلى المخرج في هذه الحال أن يبحث عن نافذة وأفق جديد من خلال تناوله لهذا الواقع الذي سيتحدث عنه.
ولم يبالغ باسل الخطيب حين أكد أنه وخلال إنجاز الأعمال في فترة الحرب، عندما قال إنه كان يذهب إلى التصوير ولا يعرف إن كان سيعود أم لا، مبيناً أن ذلك لم يكن بطولة منه ولم ير نفسه في يوم من الأيام بفعله هذا أنه كان مختلفاً عن أي مواطن سوري، فالجميع في فترة الحرب كانوا يتابعون أعمالهم، وهذا ما فعله هو، مشيراً إلى أن من الأسباب التي جعلتنا ننتصر على الحرب هي هذه التفاصيل التي أكّد عليها بيتر جاكسون الذي قدّم سلسلة “سيد الخواتم” حين قال: “ليست القوة العسكرية هي التي تقدر على دحر الإرهاب، فالأفعال البسيطة التي يمارسها الناس كل يوم هي واحدة من الأسباب”، معبّراً عن سعادته بأنه أنجز مجموعة من الأفلام خلال السنوات الماضية أتيح لها العرض في الكثير من دول العالم رغم المقاطعة المفروضة علينا، فعُرضت أفلامه لسنتين في أستراليا، حيث حضر عروضها مع الجمهور الأسترالي الذي كان يأتي لمشاهدة الأفلام بوجهة نظر مسبقة عن الحرب في سورية وكان يخرج منها بوجهة نظر وموقف مختلف تماماً، مبيناً أن المخرج اذا نجح في نقل الواقع وإحداث التغيير عبر فيلمه يكون قد حقق رسالة مهمة بقيمتها المعرفية ونجاحها في إحداث التغيير.
المرأة والحرب
ولأن المرأة في أفلامه التي رصدت الحرب كانت حاضرة بقوة، رأى باسل الخطيب أنه كان من الضروري أن ينصف المرأة في الحرب، فأنجز “مريم” و”الأم” و”سوريون” وتحدث من خلالها عن مأساة ثلاث نساء، وكيف وضعتهم الحياة والحرب في ظرف قاس ومؤلم، ومع ذلك بقيت محتفظة بالقدرة على الحب، والحب برأيه يتجسد بالمرأة، فهي الأم والزوجة والأخت والصديقة، وأكثر ما يسعده أنها كانت بشهادة الجميع وخاصة فيلم “مريم” انعطافاً بمسيرة السينما السورية، وكمخرج مخضرم، أكد الخطيب أنه يراهن دائماً على الجيل القادم من المخرجين والمؤلفين الشباب الذين سيكملون الطريق، مشيراً وهو الذي شاهد تجاربهم أن هذا الجيل يحتاج للرعاية وتوفير الإمكانيات، وأن ما يميزه براعته في الجانب التقني وأنه جيل مسلّح بالمعرفة.
أمينة عباس