ثقافة وفنسلايد

لؤلؤة الصحراء ونبع الحياة

تشتهر “مهد الحضارات” بفرادة معالمها الأثرية وعراقتها، فقد تركت حضارات عدة على صفحات تاريخ سورية بصمات لا تمحى، جذبت أنظار العالم أجمع، وأكدت على عمق جذور سورية في التاريخ، ويبرز بينها تدمر “لؤلؤة الصحراء السورية”، بمعابدها ومدافنها وأعمدتها الشامخة شموخ مملكة عظُم شأنها، حتّى أوجدت لنفسها عرشاً ضمن لائحة التراث العالمي.
وقاست لؤلؤتنا من تبعات الحرب ومحاولات الإرهاب الحثيثة لإخماد بريقها، فتعرضت للتخريب والتدمير المتعمد، وتراكم الردم في أركانها، وسد مجرى نبعها – نبع أفقا – الذي يعد “شريان الحياة” فيها.
وكانت إعادة ترميم وتنظيف نبع أفقا المحور الذي أقيم حوله مؤتمر صحفي دعت إليه المديرية العامة للآثار والمتاحف وجمعية الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي الروسية، بالتعاون مع الفيلق التطوعي الاستكشافي، لتبيان الجهود المبذولة والهادفة إلى إعادة الحياة إلى هذه الواحة.
استهل المؤتمر، الذي عقد في القاعة الدمشقية في المتحف الوطني بمدينة دمشق، بكلمة د.محمد نظير عوض، مدير عام الآثار والمتاحف، الذي أكد على أهمية المشروع في ضوء التدمير الذي تعرضت له مدينة تدمر خلال الحرب، ومن هنا تأتي الحاجة إلى كثير من عمليات إعادة تدعيم وتنظيف نبع أفقا الذي تعرض للتخريب خلال السنوات السابقة، وعدّ هذا النبع شريان الحياة في مدينة تدمر.
ولفت د.عوض إلى أن المديرية أبرمت ثلاث اتفاقيات مع الجانب الروسي، إحداها اتفاقية لترميم عدة مواقع ومعالم أثرية سورية تعرض لها الإرهاب في تدمر، من بينها نبع أفقا وقوس النصر، مشيراً إلى تداعيات أعاقت العمل بشكل ميداني، كان أحدها جائحة كورونا.
وأكد أن المديرية ماضية في ترميم أي معلم أثري بالتمويل الحكومي القائم، مبيناً أن عودة تدمر كواحدة من “أهم المقاصد الثقافية والتراثية والسياحية” هي أولوية، إلى جانب عودتها كرافعة اقتصادية وتنموية في سورية.
من جانبه، بين د.همام سعد، معاون مدير عام الآثار والمتاحف، سبب اهتمام الجانبين السوري والروسي بترميم نبع أفقا، فحيثما “يوجد الماء توجد الحياة، وتدمر تدين بوجودها إلى نبع أفقا الذي يوجد على أطراف المدينة ويغذيها عبر قنوات عدة”، هذا إلى جانب تغذيته لواحة تدمر وأشجارها وبساتينها التي تعرضت للحريق، ومات معظمها نتيجة انقطاع مياه النبع عنها.


واستعرض د.سعد المراحل التي مر بها مشروع ترميم نبع أفقا، إذ بدأ بتنظيف مجرى النبع من الركام الذي سد القنوات، ثم ترميم واجهات النبع، منوهاً إلى أن العمل بدأ منذ أسبوعين، وتوقع أن تبدأ المرحلة الثانية خلال عشرة أيام، كما توقع الانتهاء من العمل بأكمله خلال شهر “لنفتتح نبع أفقا، ونشهد عودة الحياة إلى البساتين وسكان المدينة الذين ينتظرون ري بساتينهم”، إلى جانب الفوائد الطبية التي يقدمها، نظراً لكون مياهه كبريتية.
أما خبير الآثار الروسي، د تيمور كارموف، فقد استعرض خلال المؤتمر صوراً لمراحل العمل على المشروع بدءاً من الخطوات الأولى التي أشرفت عليها وزارة الثقافة ومديرة الآثار والمتاحف، لافتاً إلى أن مشروع ترميم النبع جزء من خطوات تعتزم جمعية الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي الروسية القيام بها في مدينة تدمر، ومعالم تاريخية أخرى في سورية.
وكان نبع أفقا مقدساً لدى التدمريين، ويصل عمره إلى ستة آلاف سنة، واسمه مشتق من كلمة “فق” في الآرامية التدمرية، ويعني مخرج الماء والنبع والحياة والبداية والأفق والفجر، ويعرف اليوم باسم رأس العين أو الحمام الكبريتي، وهو سبب قيام تدمر، حسب علماء الآثار، حتى إن بعضهم ذهب إلى القول إن “تدمر هبة النبع”.

البعث ميديا- علاء العطار