ثقافة وفن

تأمّلات ملوّنة في “حتّى إشعال آخر”

لا يخفى على مثقف أن رائد خليل هو فنان عالمي، ساهم في رفعة التشكيل السوري على مستوى العالم، ولاسيما الكاريكاتير منه، ويعرف المثقف أن خليل تابع كل هموم سورية ورصدها، وبخبرته وتقنيته العالية مرّر على العالم ما يريد، ليكون وطنه في الأولويات.

والآن في جنس ثقافي آخر نعبر إلى ضفة أخرى عنده، وعن تأملاته التي عبّرت عن مشاعره وارتقت إلى مستوى الشعر، متضمنة الكثير من الأحلام والأوجاع والخلاصات في تشكيلات أخرى تختلف عن استخدام اللون أو الريشة أو ما يقدّم الصورة التشكيلية على لوحة الإبداع.

هي محطات، وفي محطته الأولى يقول:

سلاماً على الصرخة البكر

محفوفة بابتسامة أمي

سلاماً على ثغر هذا المصير

وقد سطر الحب ذكرى تألم منها القدر

الملفت في مطلع كتابه وخلافاً لما هو دارج في الكتابة الآن يبدأ بابتسامة أمه وماذا كانت تفعل عندما كان الألم يعبث بانفعالات الفرح، فتتحول إلى صراخ وقد لا يعلم المؤلف ذاته أن العفوية في موهبته التي “موسقت” في بعض المراحل كلامه الوجداني الذي جاء في مزيج ملون على أكثر من أساس.

وفي محطته الثانية يقول:

أيتها الرجفة الباكية

على تخوم أصابعي

أيها الهدير الملتاع..

أشهد أن الصبا أقصوصة من عناء

يلتمس المقامة المكلومة

ويطوي شطآن الكلمات على حافة الغرق.

في تأملات المجموعة يظهر الألم واضحاً والماضي الذي يسكن المؤلف بمحتوياته الموجعة منذ بداية طفولته إلى يومه هذا مع اختلافات المراحل المتحولة في حياته، وهكذا رأى أن كل جمال هو خلاصة عناء كبير.

وهذا يكتمل في منعطفات المجموعة واتجاهاتها ويتابعه في رسوماته الأنيقة عبر كلام ممزوج بما التقطه خياله وتمسّك به، مصمماً أن يبقى لتكون الموهبة هي الأمر في مصيره، فيقول في المحطة العشرين:

ذات طقوس

في انفعالات المرايا

أستل معاني الغمد من روح الحسام.. وتهيم على وجه رغبتي أجوبة الصحو.

وأيضاً عندما يجلس الأديب الفنان في انفصال عن الواقع لا يتبرأ من ذكرياته فتدعوها العواطف وتتقاسمها الريشة والقلم وعندما تحتاج القضية قد يكونا معاً في تشكيل معبّر آخر يزدهر في النتيجة كقوله:

ذات ليل مطوي على خصاله

جاءني وميض مباغت

أفشى لي أسرار الأعماق

وعلى كتفي تهدلت تأملات الأبراج الحانية

في هذه وغيرها في المجموعة نجد أن الفنان، الأديب والشاعر، صنع عالماً آخر من حالاته النفسية، وأخذها من المجتمع والإنسان والطبيعة ألماً ووجعاً، ومن الماضي جرحاً، وأعادها مدينة جميلة فاضلة.

رغم خلو الموسيقا في محطات المجموعة، إلا أننا حين نسير في تتابع بطيء نستقرئ لون المشاعر التي تتملك الكاتب، وهو يعبر ضفاف القلوب التي تفاعلت مع مكنونات ذاته الحزينة واليائسة من هذه الحياة وتناقضاتها بين ألوان البشر وما يحملونه في صدورهم من أرواح تعبت من ثقل المواجع والهموم وتحلم بغدٍ يبشّر بالأمل.

نبوغ محمد أسعد