“طالبان” و”النصرة” يلمعان صورتهما
من يتابع واقع التطورات الميدانية والسياسة، وخاصة التي تتبعها التنظيمات الإرهابية الراديكالية، يلحظ أن ما يسمى “هيئة تحرير الشام” الواجهة المبطنة “لجبهة النصرة” الإرهابية المنتمية والمبايعة “للقاعدة، وحركة طالبان”، سعتا بكل إمكاناتهما للحصول على اعتراف وشرعية دولية مقابل ادعائهما في القيام بدور ما يمكن وصفه “بشرطي الإرهاب الدولي” بمعنى تعهدهما بالتعاون مع دول الغرب وأجهزتها الاستخباراتية للقضاء على الجماعات الإرهابية العابرة للحدود من خلال كبح تحركات وهجمات تنظيم “داعش” الإرهابي في المنطقة الجغرافية الممتدة من أفغانستان إلى سورية.
ومن أبرز صور التعاون التي تبحث عنها حركة طالبان مع “جبهة النصرة” هي ما نشرته مواقع إلكترونية داعمة “للمجموعات الإرهابية” عن اتصالات مباشرة بين الجانبين للتعاون والتواصل، فقد نشر أحد هذه المواقع: “أنه منذ وصول حركة طالبان في أفغانستان إلى السلطة بعد الانسحاب الأمريكي لم تتوقف عن إرسال العديد من الإشارات إلى التنظيمات الإرهابية التي تشاركها أفكارها ومرجعيتها القاعدية حول العالم بشأن مشاريع الهيمنة والتمكين ومحاولة تلميع الصورة والدور، بما في ذلك تطور العلاقات بين طالبان وتنظيم “النصرة” في سورية لبلورة ونشوء شكل جديد من التعاون والتنسيق بين هذه الجماعات الإرهابية”.
لقد وجدت كل من قيادات “طالبان والنصرة” الفرصة متاحة لهذا التعاون، في ظل وجود دور تركي داعم لكلا التنظيمان ويسعى لاستغلال طموحاتهم لتوسيع مصالحه الجيوسياسية والرغبة الأمريكية في بقاء هذا الرقعة الجغرافية الحيوية وربما التي باتت الأكثر حيوية في العالم تحت رحمة هذه التنظيمات التي من شأنها أن توجد الفوضى، ومن جانب آخر وجدت هذه القيادات أن تردد الكثير من الأنظمة السياسية في المحيطين الإقليمي والدولي للاعتراف بهما يدفعهما لإحداث نوع من ما يمكن تسميته بالتشبيك “الجهادي” _ وفق ادعائهما_ في محاولة تلميع صورتهما مع إحداث نوع من التغير في الخطاب والسلوك وادعائهما بقتال “داعش”، مع أن “داعش” هي جيل متطور “للقاعدة” .
إن مثل هذا السلوك قد يشجع الدول للاعتراف بهما، أو رغبتهما في ظل استعصاء الحصول على مثل هذا الاعتراف أن يقويا وجودهما في الجغرافيات التي يتواجدا فيها وفرض نفسيهما كأمر واقع في مسرح النظام الدولي.
ومن الصور التي يمكن تلمسها في خدمة ذلك، هي القناعة التي ترسخت لدى كل من “النصرة” و”طالبان” بأن مفهوم امتلاك القوة المسلحة وحدها لا يكفي لفرض وجودهما، بل إن الاستدامة تتطلب التغير في السلوك السياسي وتفعيله كافتتاح مكاتب دبلوماسية لطالبان واعتماد “النصرة” على الضامن التركي في أستانا، والمظهر الأخير الذي ظهر به متزعم النصرة الإرهابي الجولاني في لقاء على إحدى وسائل الإعلام الأمريكية وهو متخلّ عن لباسه “الشرعي” مرتدياً لباساً مدنياً، وفق وصف راديكاليته القاعدية، وهو ما يقودنا لصورة ثانية لبناء ذلك وهو الانفتاح على وسائل الإعلام الغربية لتمليع هذه الصورة وإرسال رسائل علنية وضمنية للرأي العام الغربي، وهو ما يفسر كثرة المؤتمرات الصحفية لطالبان وظهور متحدثيها بشكل مكثف على وسائل الإعلام المختلفة.
وما يؤكد وجود الاتصال بين الجانبين هو ما كشفه أحد قياديي ما يسمى “تحرير الشام” الإرهابية المدعو “الدمشقي” لأحد المواقع الإعلامية المقربة من “النصرة”، عن سفر وفد من “تحرير الشام” إلى أفغانستان عبر مطار هاتاي التركي في مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، مؤكداً حصول عدة اجتماعات خلال هذه الزيارة بين الطرفين، وتم الاتفاق على تفعيل التنسيق في العديد من الملفات المتعلقة بحركة المسلحين من أفغانستان إلى سورية وبالعكس، وكيفية ضبطها بما يحقق مصالح الطرفين. وهو الأمر الذي لم تخفه “جبهة النصرة” الإرهابية، بل أقرت في مواقعها الإلكترونية أنها تهدف إلى تقوية وتطوير علاقاتها مع طالبان بهدف خلق علاقة مريحة لها بعد أن باتت أغلب دول العالم تقترب من الاعتراف بطالبان.
محمد نادر العمري