دوليسياسة

أسباب انتشار التطرف الديني في العالم

بات ملاحظاً منذ انتهاء الحرب الباردة، وسقوط المنظومة الاشتراكية ممثلة بتفكك الاتحاد السوفييتي السابق في تلك الآونة، توجه دول حلف شمال الأطلسي وبتوجيه من الولايات المتحدة الأمريكية لاتباع استراتيجية جديدة قوامها البحث عن الذرائع والمبررات لتوسع الحلف في الشرق الأوسط، بعد انتهاء ذريعة سقوط الاشتراكية، فما لبثت الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها عواصم الغرب، أن عولت على الإرهاب، وسعت جاهدة عبر وسائل الإعلام للترويج لذلك مع تطور وسائل الإعلام الفضائي والرقمي في تلك الفترة، وقدمت أولى صور هذا الربط عبر تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، وما ساهم في تطوير هذا الربط هو ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية من تفجير لبرجي التجارة الدولية ومؤسسات حكومية في 11 أيلول عام 2001، ليطرح حينها جورج بوش الابن مقاربة تقسيم العالم لمحوري الشر والخير وفق المصلحة الأمريكية.

في حين إن الحقيقة الكامنة عن التطرف وأسبابه ودوافع انتشاره، جاءت تكريساً لجملة العوامل والأسـباب التـي أسـهمت فـي تكـوين بيئـة ملائمـة لنمـو هذه الظـاهرة:

أولاً: الاعتداءات العدوانية والغزو العسـكري والحـروب التـي شنتها الولايـات المتحـدة الأمريكيـة وحلـف النـاتو، فـي عـدد مـن البلـدان مثـل أفغانستان وغيرها والتي كان لها دور وتأثير في بـروز ظـاهرة التطـرف، لا سـيما وأن هـذه الحـروب لـم تحقـق أهـدافها وشـعاراتها، حيـث ادعـت أمريكـا فـي وسـائل الإعـلام فـي حروبهـا أنهـا تريد القضاء على الإرهاب، ولكـن فـي الواقـع العملـي أكـدت تجربـة الشـعوب التي تعرضت لغزو أمريكي أن ما أنتجته هـذه التـدخلات العسـكرية والحـروب هـو الفوضـى ونمو التطرف والإرهاب بكل أشكاله.

ثانياً: إلى جانب العامل الدولي والدور الأمريكي المباشر، فـإن مـا يجـري في منطقة الشـرق الأوسـط هـو انعكـاس لصـراع إقليمي تغذيه واشنطن بكافة الأشكال والأساليب، حيث يعتبر صراع القوى ضمن ما تتضمنه من أيديولوجيات ومصالح عاملاً هاماً في تغذية التطرف لتنظيمات تنوب عنها.

ثالثاً: تهيئة المناخات والظروف والمنظومــة الفكريــة للتنظيمــات الراديكالية وبالــذات المتطرفــة منهــا، وتتمثــل المنظومــة الفكريــة في أحــزاب الإســلام السياسي -على سبيل المثال لا الحصر- وفق ارتباط هذه التنظيمات بالغرب، في إلغاء الآخر ومصادرة الحقوق والحريات، وهذه سمة مميزة للفكر الشمولي الاستبدادي الإقصائي، كمـا أن هـذه المنظومـة الفكريـة تـؤمن بممارسـة الخطـاب السياسـي الطـائفي، وتؤكـد علـى إبـراز نقـاط الخـلاف والحضـور الـدائم للتـاريخ الـدموي القـديم، لتغذيـة الحقـد والكراهيـة ضـد الآخـر.

رابعاً: فتح المجال الإعلامي وتوظيف وسائل الإعلام للترويج للفكر التطرفي، حيث شكلت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وإمكاناتها، وبعيداً عن ممارسة الغرب لدور الرقابة على الإعلام وتقييد مواده وبرامجه وما يطرحه من رسائل ولغة خطابية، وسيلة مثلى للانتشار الفكري  واستقطاب العناصر المجندة للعمل خدمة لمشاريعها.

من خلال ما سبق يمكن التأكيد بأن سعي الغرب والولايات المتحدة، على وجه الخصوص، كان لإيجاد عدو بديل عن الاتحاد السوفييتي في فترة التسعينيات كذريعة لتحقيق توسعها، ومن ناحية ثانية، سعت من خلال لصق الإرهاب بالإسلام إلى تشويه صورة حركات المقاومة التي بدأت تلحق خسائر كبيرة بالكيان الصهيوني، ومن جانب ثالث، فإن الغرب أراد من تعميم ظاهرة التطرف الذي عانى منها خلال العصور الوسطى لزج العرب بالمشاكل الداخلية وتغير أولوياتهم التي كانت ترتكز على تحرير فلسطين إلى أولوية حل المشاكل الداخلية.

محمد نادر العمري