جزيرتا الغد والأمس.. هنا يعبر الزمان
الكل يعتقد أن المسافة التي تفصل الولايات المتحدة، أقصى الغرب، عن روسيا، أقصى الشرق، هي عشرات الآلاف من الكيلومترات، لكن في الحقيقة إن المسافة الفاصلة بينهما لا تزيد عن ٤ كم!.
وبما أن الأرض كروية الشكل فهاتان الدولتان تلتقي حدودهما في القطب الشمالي حيث رأس الأرض، وتحديداً بين جزيرتي “ديوميد الكبرى” التابعة لروسيا الاتحادية، و”ديوميد الصغرى” التابعة للولايات المتحدة في مضيق بيرينج. وعلى الرغم من أن المسافة التي تفصل بين هاتين الجزيرتين لا تتجاوز ٤ كم، ورغم وقوعهما في منطقة واحدة إلا أنهما مستقلتان، إذ يفصل بينهما خط التوقيت الدولي الذي يمر أيضاً على الحدود الدولية بين روسيا والولايات المتحدة.
الملفت للنظر أن جزيرة “ديوميد الكبرى” التابعة لروسيا تسبق جارتها الصغرى بـ ٢٣ ساعة بسبب خط التوقيت الدولي الذي يمر بينهما، والذي يفصل اليوم عن الأمس، فعندما يكون الوقت صباحاً في الجزيرة الروسية يكون أيضاً الوقت صباحاً في الجزيرة الأمريكية، ولكن في الجزيرة الأولى صباح اليوم، وفي الجزيرة الثانية صباح الأمس، أي إن التاريخ مختلف، رغم أن سكان الجزيرتين يشاهدون بعضهم بعضاً، ولا يفصل بينهم سوى ٣,٨ كم، لذلك يطلق على هاتين الجزيرتين “جزيرتي الغد والأمس”.
هذه المفارقة اجتمعت فيها ظاهرتان جغرافيتان لا تجدها سوى في مضيق بيرينج الذي يصل بين بحر بيرينج والمحيط المتجمد الشمالي، وبين حدود روسيا أقصى نقطة شرقاً في قارة آسيا مع ألاسكا أقصى نقطة غرباً بأمريكا، في نقطة يمر فيها خط الوقت الدولي الذي وضعه العلماء ليكون فاصلاً بين نهاية يوم وبداية آخر.
خط التوقيت الدولي يتبع خط الطول 180 في معظم امتداده، ووضعه الجغرافيون لحل مشكلة الدوران حول الأرض، ليبدأ اليوم من ناحيته الغربية، وينتهي من الشرقية، فإذا عبرت ذلك الخط غرباً تجاه أمريكا فعليك تعديل توقيت أجهزتك وتزيدها 24 ساعة، أمّا إذا عبرته شرقاً ناحية روسيا تقوم بالعكس.
علماء الجغرافيا وضعوا خط التوقيت الدولي ليكون مستقيماً يقسم الكرة الأرضية شرقاً وغرباً، لكن دولتي روسيا وأمريكا اضطرتا إلى تحريف ذلك الخط لتجاوز ظاهرة اختلاف التوقيتات بشكل كبير في سائر أراضيهما، فالأولى حركته 10 درجات ليمر من شرق سيبريا، والأخرى حركته غرباً في ألاسكا ليعاود استقامته بجزر فيجي.
بالعودة بالزمان، وتحديداً عام 1867، فإن الروس كتبوا حينها نهاية تواجدهم في قارة أمريكا الشمالية، وانتهاء سيادتهم على أراضي ألاسكا التي تضم جزيرتي ديوميد الكبرى والصغرى، بعد أن عرضها الروس للبيع على الأمريكان خوفاً من وقوعها تحت سيطرة المملكة البريطانية دون مقابل.
ظلت أمريكا تبحث عن الصفقة لمدة 8 سنوات، حين عرض الإمبراطور الروسي ألكسندر الثاني ألاسكا للبيع على الرئيس الأمريكي أندرو جونسون في عام 1859، لينهي الصفقة السفير الروسي بواشنطن، لويس بيدلال مع وزير خارجية أمريكا ويليام سيوارد في آذار من عام 1867، بـ7 ملايين و200 ألف دولار، بمعدل 1.9 سنت للفدان.
الصفقة التي أطلق عليها الأمريكان حينها “حماقة سيوارد” فصلت الجزيرتين لتتبع ديوميد الكبرى روسيا التي تبعد عن اليابسة 40 كيلومتراً، وتصبح الصغرى ملكاً للأمريكيين، وبعد الحرب العالمية الثانية نقل السكان الأصليون للكبرى خارجها، لكنهم لم يعودوا إليها بعد انتهاء الحرب، حيث تحولت إلى قاعدة لقوات حرس الحدود الروسية.
تحولت ديوميد الصغرى إلى مدينة صغيرة يقيم فيها نحو 170 فرداً من البحارة المهرة، ولا يخدمهم من المرافق الأمريكية الرسمية سوى مكتب بريد، ومدرسة وكنيسة ومتجر واحد فقط، وتفتقر لأي شبكات اتصال، ليكون السبيل الوحيد للتواصل مع العالم الخارجي خطوط هواتف الأقمار الصناعية. وتعد الطائرة الهليكوبتر الوسيلة الوحيدة للوصول إليها في معظم أيام السنة.
تقرير _ البعث ميديا