صحةمجتمع

الوسواس القهري.. تجنّبوا فرض قواعد صارمة على أولادكم فهذا يدمّرهم

تصرفات وسلوكيات كثيرة نراها، دون أن نفهمها ونعرف مبرراتها وأسبابها، فكثيراً ما نصادف أناساً يغسلون أيديهم مراراً وتكراراً لدرجة جفاف البشرة وحدوث تشققات، وبعضهم يتحقق من الأمور بشكل مفرط كـ”الأقفال أو مواقد الغاز”، أو الحرص الجاد على ترتيب وتنظيم الأغراض الشخصية بشكل دائم ومتكرر، أعراض وتصرفات تدل على وجود الوسواس القهري.

انطلاقاً من هذه الصور التي تمر بنا، وبغية معرفة ماهية هذا المرض وأعراضه وكيفية التعامل معه وغيرها من المحاور، التقت “البعث ميديا” الدكتور جلال شربا، استشاري في الطب النفسي والعصبي، الذي بدأ حديثه بتعريف الوسواس القهري بأنه أحد الأمراض النفسية التي تصيب عدداً لا بأس به من الناس إناثا وذكوراً، لكن الكثير منهم يخشون أو يخجلون من مراجعة الطبيب، فهناك نسبة تقدر بـ٣٪ من الناس تصاب بالوسواس، وغالباً ما يبدأ في سن المراهقة وبداية الشباب بعد التعرض لشدة نفسية أو مشكلة اجتماعية، وفق ما ذكر الطبيب.

حالات حيّة

وتتجلى أعراض الوسواس، وفق ما ذكر شربا، بالأفكار والصور، حيث تسيطر على ذهن المريض فكرة أو صورة لمنظر معين، وبالرغم من علم المريض بتفاهة هذه الأفكار وأنها لا تستحق الاهتمام  ومحاولة مقاومتها والتخلص منها، إلا أنها تستحوذ على معظم تفكيره، ومع الوقت يستسلم لها، وينوه بأن سيطرة هذه الوساوس على المريض تسبب له الآلام والمعاناة النفسية الشديدة التي تؤثر على عمله ومنزله وعلاقاته الاجتماعية وأدائه الدراسي، يستعرض مثالاً عن هذه الحالة، “فتاة جامعية من بيئة متدينة تؤدي كل الفرائض بدقة، وفجأة تصيبها فكرة “الكفر بالله” دون إرادة منها، وتحاول المقاومة دون جدوى، فتتأزم بشكل كبير وتصبح غير قادرة على الدراسة والنوم أو التواصل مع الآخرين”.

ومن الأعراض أيضاً، وفق الطبيب، الاندفاعات القهرية، حيث يشعر المريض أنه سيقوم بأعمال لا يرغبها ولا يحبها، بل تخيفه مثل تلك السيدة التي تراودها فكرة خنق طفلها الصغير، ما جعلها تعيش حالة خوف شديدة، ويشير الطبيب إلى الطقوس الحركية القهرية، مثل إعادة الغسيل مرات كثيرة حتى تصبح اليدين جافة ومصابة بالأكزيما، أو رجل يعيد التأكد من إغلاق المنزل عدة مرات، ويعود للتأكد، وكذلك صف وترتيب الأشياء في المنزل بطريقة لا يمكن تغييرها، وآخر الأعراض اجترار الأفكار، وهنا تعاود المريض أفكار يحاول التملص منها دون جدوى.

الأسباب

يوضح شربا أن هناك أسباب عدة أهمها “الوراثة، التربية الصارمة، ظروف الحياة الضاغطة، الاستعداد عند الشخص، مشاكل شخصية واجتماعية لا يقدر الشخص على مواجهتها أو حلها.

لا بدّ من العيادة النفسية

ويضيف الاستشاري في الطب النفسي والعصبي، بأن هؤلاء المرضى يتأخرون في مراجعة العيادة النفسية لأسباب كثيرة منها: محاولة الشخص المصاب التغلب على مرضه بشكل ذاتي أو انتظار الزمن، واللجوء لاستخدام الأدعية والرقى الشرعية ومراجعة الشيوخ لاعتقادهم أن هذا سحر أو مَس جني  وهذا خطأ، وفي أحيان كثيرة يتكتم المريض على أفكاره الوسواسية بسبب تعارضها مع معتقداته الدينية أو الاجتماعية والخجل من طرحها أو مناقشة أحد بها.

أما فيما يخص العلاج، فيوضح الطبيب بأن العلاج الدوائي مهم جداً وضروري، وهو مفيد في أغلب الحالات، أما العلاج السلوكي فهو داعم للعلاج الدوائي، وجمع العلاجين معاً يعطي نتيجة أفضل، ولكنه ليس بديلاً عنه.

وفي نهاية حديثه توجه للأهل بعدة نصائح من منطلق خبرته الطويلة، ومن خلال مئات الحالات التي راجعته، بعدم فرض قواعد صارمة على الأولاد، وترك مساحة من الحرية للأطفال، خاصة فيما يتعلق بالنظافة والنظام والترتيب، وضرورة الابتعاد جداً عن شرح عذاب الآخرة وأشكال العذاب والتخويف بكل صغيرة وكبيرة لأن ذلك مدمر للأطفال.

 

البعث ميديا|| ليندا تلي