ثقافة وفن

16 عاما على رحيل “البدوي الأحمر”

“ليتني وردةٌ جوريةٌ في حديقة ما/ يقطفني شاعرٌ كئيب في أواخر النهار/ أو حانةٌ من الخشب الأحمر يرتادها المطرُ والغرباء/ أشتهي أن أقبِّل طفلاً صغيراً في “باب توما” ومن شفتيه الورديتين/ تنبعثُ رائحةُ الثدي الذي أرضَعَه، فأنا ما زلتُ وحيداً وقاسياً/ أنا غريبٌ يا أمي”
ما سبق مقتطف من القصيدة الشهيرة “أغنية لباب توما” واحدة من أكثر ما خطه “البدوي الأحمر” حزنا وألما رغم جماليته الساحرة، ومنها نستطيع أن ندرك أن الأديب السوري الكبير “محمد الماغوط” المولود عام 1934، والذي تصادف اليوم الذكرى ال 16 على رحيله، بقي صبيا لم يكبر على ما خسره يوما وهو يبكيه بحرقة، حتى وهو في عزّ شهرته وعزوته الأدبية ومكانته الفكرية والثقافية
بين (حزن في ضوء القمر) 1959، و(البدوي الأحمر)، حيوات مرت متقلبة على يقين الظنون، وخيبة الرجاء، إذ لم يدرك الفتى العائد من ثانوية خرابو الزراعية في غوطة دمشق إلى مدينته السلمية، بعد أن أحرجته رسالة والده الفلاح الفقير إلى مدرسته ليرأفوا بابنه، بأنه سيكون من روّاد خميس الشعر الأكثر جدلاً وإثارة، خصوصاً في الفترة التي احتدمت فيها معركة المصطلحات الشعرية التي بدأتها الشاعرة العراقية نازك الملائكة برفضها تسمية قصيدة النثر، معتبرة أن ما ينشر في مجلة شعر هو ما أسمته الشعر الحر، مستخدمة قصائد الماغوط دون غيره من شعراء المجلة في محاججتها الشعرية.
أدار صاحب ديوان “حزن في ضوء القمر” ظهره لكل تلك المهاترات، كما كان يسميها، مؤثراً أن ينحت الكلام من الهواء والماء والطيور والأشجار ، بأسلوب شعري فريد ومتميز، إن كان بالسرد اللغوي الذي جاء عنده عفوياً وتلقائياً، بعيداً عن التصنع والثرثرة الفائضة عن الحاجة، أو بطريقته المدهشة بإنزال الشعر من مراميه الفلسفية، وأبعاده الماورائية، وجدله البيزنطي، إلى حرارة الحياة اليومية بكل تفاصيلها، بألفتها وقسوتها، بفرحها وحزنها، بضجرها ودهشتها، لتأتي مجموعته الشعرية الأولى “حزن في ضوء القمر” تتويجاً للحالة الشعرية العالية التي كان يحياها بعيداً عن صخب الكلمات الطنانة، ولتصبح حديث مجلة شعر، والعديد من الدوريات الثقافية والفكرية التي أرعبها ذهولها ووقوعها في غرام هذا الكلام البسيط والمدهش في آن.
محمد أحمد عيسى الماغوط-1934-2006- شاعر وأديب من مدينة السلمية السورية، تلقى تعليمه في السلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه، عمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين، كما عمل رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الأدب السياسي الساخر وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية التي يعتبر واحدًا من روادها، وله دواوين عديدة فيها.
البعث ميديا