ثقافة وفن

شاعر ساحة النجمة وفنان مئذنة العروس

21 أذار 1923/ 30 نيسان 1998
الذكرى ال ٢٤ على رحيله، تمر اليوم؛ أديب دمشقي ملأ الدنيا وشغل النّاس، إنسان أصيل نهض متمرّداً على كلّ الأفكار البالية، والتقاليد المورثة الصدئة، شاعر كان يميّز بدقّة بين الأغصان الخضراء والأغصان الزّائفة، يذهب إلى اقصى درجات “التحرّر” عندما يتعلق ذلك بمصلحة البلاد، ولكنّه يحرص على الجوهر في تمييز الملمح الأهم للصّراع الّذي يخوضه أبناء أمّته، هذا الشّاعر كان أساطين النغم، ونجوم الغناء يتوقون لتلحين قصيدة له، بل إنّ عصراً جديداً بدأ مع أشعاره، يقول “محمّد عبد الوهّاب”وهو موشك على تلحين “أيظنّ أنّي لعبة بيديه”: “هذه القصيدة تمثّل تطوّراً لجيل عربي جديد، جيل يقرأ الصحف، ويجلس في المقاهي، يحقّ للفتاة فيه أن تترك يدها في يد حبيبها لتنام كالعصفور، ولفستانها أن يرقص على قدميه”، سيّد الملحّنين، وكبير الموسيقيين العرب، كان يدرك أنّ نزار قبّاني ظاهرة شعريّة يجب سريعاً اللحاق بها، وإلّا فاته الزمن، فشاعر دمشق قطع جهيرة كلّ خطيب، وحسم مسألة بسيطة: الشّعر إذا لم يكن سوريّاً فهو ليس بشعر.
نزار قباني أديب كبير، كان يقضي جل وقته في القراءة والأبحاث، وليس عنده وقت لمثل الغراميات الرومانسية المفرطة التي شاعت عنه، فالحب في أشعار نزار ليس سوى أسلوب وتقنية، استعملها كثورة ضمن القصيدة العربية، وليست تلك طريقة حياته، من يعلم شعر نزار، ويتذوّق روعته، لا بدّ أن يكتشف أن شاعراً بهذا المستوى، لم يكن لديه وقت لـ” يحك” وراء أذنه.
قيمة نزار الحقيقية هي كونه مفكّر قومي، ومثقّف وطني. ولمعرفة إلى أي درجة نزار قبّاني كان ملتزماً في مواقفه، يكفي أن نعلم أنّه الوحيد الّذي وقف صارخاً “لا” في وجه اتفاقية الشؤم أوسلو، التي استبدلوا اسمها لأنّ شاعرنا استعمل الاسم في قصيدته العصماء الشّهيرة: “المهرولون”، وهي هجاء مرير ولاذع على جماله الشعري، ل “أوسلو”، ولمن سار في ركبها وأيدها، وما حدث بينه وبين الروائي المصري “نجيب محفوظ” على إثرها، ضجت به وسائل إعلام ذاك الوقت، وطار على ألسنة كل القُرّاء بمختلف مستوياتهم الثقافية.
شاعر الياسمين والجوري ومئذنة العروس، لا يقل قوّة وصلابة عن صخور قاسيون، ولكنّ “تمرده” الشعري كان من أجل هدف، ولم يكن طريقة حياة، يمكن الانتباه لذلك من الاسم الذي يظهر على الغلاف الأخير من دواوينه: “منشورات نزار قباني”، الشاعر الكبير كان ينظر إلى أدبه كمنشورات، تماماً على طريقة الأحزاب السرية، والحركات السياسية، هل يحتمل الغزل كل ذلك؟ بالتأكيد نعم، شاعر “ساحة النجمة” وفنّان “أرض الديار” يقول إن هزيمة حزيران لم تكن إلا هزيمة للجسد العربي المكبوت بالدرجة الأولى، لقد اختار نزار باباً ومدخلاً مختلفاً للتّغيير في المجتمع، ولنهضة البلاد.

تمّام بركات