وجهة النظر
اشتهر الملك الفرنسي لويس الرابع عشر برعايته للأدب والأدباء، وقد لُـقّب بالملك الشمس لعظمته. فقد خطر له أن ينظم قصيدة في سياق التجريب لا أكثر. فبعد كتابتها، عرضها على صديقه الشاعر بوالو وأسمعه إياها مستطلعاً رأيه. فلم يستسغها الشاعر، فقال للملك بلباقته المعهودة:
يا أيها الملك الشمس، إنك قادر على عمل أي شيء، فالمستحيل ليس في قاموسك. لقد شئت أن تنظم شعراً رديئاً فبرعت.
ربما وجد الشاعر (الملك الشمس) في تجريبه فسحة لقول كلمة أو وجهة نظر، رغم رداءة ما كتبه دونما معرفة بالبنيانين الشكلي والفني للعمل الإبداعي ورصف مكوناته.
إذن، هنا واقع لا يمكن الهروب منه.. ونقصد ما يسميه بعضهم “وجهة النظر”!.
ولكن كيف يبني هؤلاء وجهات نظرهم، وعلى أي أساس ؟ أم أنّ كل تغريد خارج السرب في العمل الإبداعي بغض النظر عن سويته وعائده يندرج في السياق المذكور؟
وهنا استدلال على عمق التجريب. إذاً هل تُشكّل وجهات النظر الحديثة خروجاً على المألوف، أم هي حالة استعراضية تقول: هذا أنا؟
أسئلة كثيرة تُطرح في مقولة وجهة النظر المستحدثة التي أصبحت مفردات فوضوية، لا كما يقول مروجوها: إنها أسلوب تكويني جديد بلمسة سوريالية، وحالة تفرّد في خلق حالة حوارية ما بين المتلقي وبدعة التكوين الجديد.
تتعدد المواقف من رفض أو تعاطف مع قضية ما، وربما تكون حيادية، ولكن النظر إليها وصوغ مفرداتها، ما هو إلا حالة سردية يضع فيها صاحبها نفسه بطلاً لروايته، أو مشاركاً شخصياته في سلوكها، ومسيطراً عليها، لا بل هو العارف بكل شيء.
إذاً الفرق واضح ما بين وجهة النظر والرؤية، التي لا نستطيع أن نغفل البعدين الفني والفكري في طرحها، والتي تقتضي وجود صراع حقيقي فيها. أو بمعنى آخر، صراع بين الفكر والأسلوب الفني، وتحقيق غاية وجهة النظر في الفصل بينهما.
وإذا كانت غاية وجهة النظر هي البناء بأشكاله كافة، تبقى الطموحات النظرية لها بإعادة التقييم الفني للقضية المراد إيصالها بكل تبدلاتها السردية المفتوحة على الوصف ودراسة التكوين.
مهما حاول بعضهم تجريد مفاهيم وجهة النظر المبنية على ما ذكرناه من ثوابت، يظل النص السردي المومىء إليه محوراً هاماً بأبعاده الشكلية ودلالاته عبر التأويل والاستعارات المتوالدة من فضاء التجريب، والاشتقاقات المنهجية المستندة إلى أسس غائرة أساساً.
رائد خليل