الشريط الاخباريثقافة وفن

“من أجل زيكو”.. إشكاليات فنية واجتماعية

 

على عكس غزالته لم يكن “من أجل زيكو” بهذا “الرواق”، فقد كان خليطاً غريباً من أمزجة مختلفة غير متناسقة، وضعت أمام المشاهد ليتابعها ويتحمل ما يُعرض أمامه طيلة الفيلم في سبيل سماع الموسيقى التي ألفها ورددها كثيراً، ولكن حتى تلك اللحظة كانت باهتة مزعجة غير متناسبة مع سياق الأحداث، أفسدت متعة المشاهدة.

كل ما يمكن قوله عن فيلم “من أجل زيكو” هو أنه نجح بسبب أغنية، إذ كانت “الغزالة رايقة”، التي بثها صناع العمل قبل طرحه بصالات العرض، كدعاية وترويج له، هي السبب الذي دفع الجماهير لمشاهدة الفيلم، لكن الصدمة التي حصلت لدى الكثيرين بعد متابعته كانت كافية لجعلهم يتمنون أن تُمحى أحداثه من ذاكرتهم وتبقى أصداء الأغنية وحدها الشيء الجميل لديهم منه.

لن نتحدث عن فكرة الفيلم المقتبسة من آخر أجنبي، فهذه الظاهرة منتشرة بشدة في السينما المصرية، ولكن الاستسهال الذي حصل نتيجة لذلك أضاع من يد المؤلف خيوط الحبكة وشتت المتابعين، وهذا كان واضحاً في العديد من المشاهد خاصة تلك المتعلقة برحلة العائلة للوصول إلى جزيرة سيوة، مكان المسابقة التي سيشارك فيها ابنهم “زيكو”، كأذكى طفل في مصر.

وبالحديث عن زيكو، محور الأحداث، فقد غاب تماماً عن أذهان صناع العمل، وكان دوره باهتاً سهل النسيان لم يُعنى به بشكل جيد، حتى حواراته كانت سطحية بسيطة، ولم يُفرد له المساحة الكافية للتعبير عن ذاته، فضلا عن انفعالاته التي جاءت باردة جداً، وهو الذي من المفترض أن يكون العين التي من خلالها نراقب أزمات العائلة والتغيرات التي تطرأ على أفرادها خلال الرحلة.

أمرٌ أخر في شخصية زيكو، الذي نكتشف نهاية الفيلم بأنه يتملك موهبة في الغناء، هو اختلاف شخصية الطفل الممثل عن الطفل المغني، الأمر الذي خلق حالة من عدم الاندماج بين ما يراه المشاهد وما يسمعه، خاصة وأن قصة الطفل الذي أدى الأغنية انتشرت بشكل كبير وضجت بها صفحات التواصل الاجتماعي، فكانت الشهرة له وليس للطفل الأخر.

وما يعيب الفيلم، في هذه النقطة بالتحديد، أننا لم نر زيكو في أي مشهد يغني أو أوحي إلينا أن لديه هذه الملّكة، باستثناء مشهد صغير يرغب فيه الطفل الصغير بمشاركة عمه بالغناء لتأتي والدته وتمنعه من ذلك كونه أصبح “عبقري”، كما باتت تصفه منذ وصول إشعار المسابقة، إذ يُعتبر هذا التصرف غير مقبول بالنسبة لوضعه الجديد.

الحبكة الضعيفة للفيلم والإيقاع البطيء للمشاهد – وهو غير متناسب مع الكوميديا – بحسب تصنيف العمل، وترابط الأحداث وتصاعدها وحتى البناء الدرامي للشخصيات كلها عوامل فيها إشكاليات أنتجت بالنهاية هذا المنتج الغريب الذي شاهدناه، فضلاً عن عدم وضوح الفكرة التي أراد صناع العمل إيصالها، والتي ربما تكون غائبة أيضاً عن أذهانهم، فالتركيز كان على عرض الممثلين الرئيسيين، كريم محمود عبد العزيز ومنّة شلبي، والاعتماد عليهم وعلى جماهيريتهم لإنجاح العمل، دون الحاجة للعناية بأي تفصيل آخر، وهذا ليس بجديد على الأفلام التجارية المصرية التي تتوخى شباك التذاكر في المقام الأول.

ويضاف إلى ذلك كله، النهاية الغريبة والغير مفهومة التي خُتم بها الفيلم، إذ كان من المفترض أن تكون رسالة العمل هي حث المرء للتركيز على ما يملك من مهارات وقدرات وتنميتها، والتأكيد على أن لكل فرد في هذا المجتمع دوره وإمكانياته التي تميزه عن الآخر، غير أن الخاتمة أوحت بغير ذلك، فمن ينجح هو الفاشل، وإذا ما اعتبرنا أن زيكو ليس من المتفوقين دراسياً، على حساب الأذكياء الذين يملكون مهارات حسابية وقدرات ذهنية مذهلة، ونحن هنا لا نقلل من أهمية المواهب الفنية أو الراضية وغيرها، ولا ثمن من يحصل على أعلى الشهادات فقط، ولكن الأسلوب الذي قدمه الفيلم كان فيها استخفاف كبير بالمتميزين في المجال العلمي، وكان بالإمكان إيجاد مخرج أخر للنهاية يحترم قدرات أولئك الأطفال، اللذين روج لهم كأذكى أطفال في مصر، وبالمقابل يقدم موهبة زيكو بطريقة تليق به وتليق بالأغنية التي روج لها حتى لا تبدو وكأنها أُدخلت بشكل فجّ في الموضوع، دون تمهيد أو مقدمات.

 

رغد خضور