ثقافة وفن

غسان مسعود: بطولة الأداء ومدرسة من مدارسه

تمّام بركات

ينتمي في فن الأداء إلى مدرسة “ستانسلافسكي” أو مدرسة “الأداء الصادق” والتي يدرس فيها الممثل الحياة الداخلية للشخصية التي يؤديها كما لو كانت حقيقية، إلا أنه طور الشكل المسرحي لهذا الأداء، ناقلا إياه من خشبة المسرح إلى التلفزيون والسينما، مزاوجا ببراعة، بين تقنية الإيماء، وتقنية الأداء المنطوق، لذا فإن أفعال الشخصية التي يؤديها، تظهر واقعية شرطيا، إلا أنها لا تنسى أنها شخصية، فلا تطغى على مؤديها، ثمة منطقة ضبط خاضعة لإرادته، تفصل بدقة بين حدود “النوع” وتمنح الأداء شكلا مختلفا في كل مرة؛ شخصية “الأستاذ وحيد” في مسلسل “سيرة آل الجلالي” –عرض عام 2000-مثلا، المسرحي المبدئي، المحتقر للثراء وما له من سطوة على الناس، الكاره للواسطة والمحسوبية، الزوج المحب، والعم الحنون والأخ الصادق، قدمها بانفعالات مسرحية أكثر منها تلفزيونية، ولهذا مبرره الدرامي والشكلي أيضا، لأن “وحيد”، مخرج وممثل وكاتب مسرحي، إلا أن هذا الشكل في الأداء، لم ينسحب عنده على شخصية “علاء” في مسلسل “قاع المدينة”-2009- رغم اشتغالها أيضا بالفن والأدب، هنا وقع الخيار الفني، على تقديمها بواقعية مخلصة لواقعية النص نفسه، منطق الأداء أيضا سيكون مختلفا عنده، في تقديمه شخصية “صافي” الفنان التشكيلي البرجوازي، “ذكريات الزمن القادم” -2003- لأنه كممثل محترف، يضبط مزاج الشخصية، حسب الورق، مضيفا لها، روحا خاصة، متشبعة بفهمه للشخصية، من خلال فهمه لفن التمثيل ذاته، ولولا تلك الفروقات الجوهرية في طبيعة الأداء ومنطقه، لكان وضع في قالب فني واحد، كما حدث مع العديد من كبار الممثلين محليا وعربيا وعالميا أيضا.

هذا “الكونترول” الناظم للأداء، جعل من الفنان غسان مسعود-1958-والذي مرت ذكرى ولادته منذ أيام، واحدا من أهم الممثلين السوريين والعرب، وإن كان الأداء البارع الذي قدمه في تشخيصه للأدوار التاريخية، “الظاهر بيبرس/ صلاح الدين الأيوبي/ صقر قريش، وغيرها” كان من أهم الأسباب التي جعلت العالمية تسعي إليه، ودون شك تعود هذه القدرة على التحكم بالأدوات الفنية وضبط مزاجها، للمختبر المسرحي الصارم الذي خضع له مسعود، خلال دراسته للتمثيل، في المعهد العالي للفنون المسرحية، وللحياة المسرحية أيضا التي تلت تخرجه منه، إن كان في تدريسه التمثيل في المعهد لمدة عشر سنوات، أو في الأعمال المسرحية التي قدمها، الحياة التي كانت وما زالت، هي الأكثر قربا لقلبه وعقله.

استطاع غسان مسعود، المولود في قرية “فجليت” التابعة لمحافظة طرطوس، -وهي من قرى الساحل السوري المشهورة بنبوغ أبنائها في العلوم والآداب-أن يبرم عقدا خاصا به مع الجمهور، خلال مسيرته المهنية المحترمة، جمهور المسرح، التلفزيون/السينما، الذي صار يضمن أن يكون العمل جيدا، لتواجد مسعود فيه، وهذا العقد لم تبرمه صفحات السوشيال ميديا، بل العمل الشاق الذي خاض به غسان مسعود، في مهنة إبداعية بالمقام الأول، ومن ثم تقنية بحتة، منذ أكثر من نصف قرن، فجمهور المسرح يدرك تماما أي أشغال مسرحية بارعة سيشاهدها على الخشبة، سواء كان مسعود مخرجا لها مثل “كأنو مسرح”-2017- تأليف لوتس مسعود، أو ممثلا فيها مثل “صدى” 2001-عبد المنعم عمايري، وهذا ما يعرفه جمهور الدراما التلفزيونية والسينما، الذي تابع له عشرات الأعمال التلفزيونية، مثل “دائرة النار-1988، شجرة النارنج-1989، البركان-1989 الفراراي-1997- كهف المغاريب-1991” وعشرات الأعمال غيرها، التي قدم فيها أداء فخما، كما في شخصية “الدكتور آدم” مسلسل “مقابلة مع السيد آدم” -2020- العمل الذي قام فيه برفع مستوى العمل ككل، كبطل العمل أولا، وكممثل ذكي، محنك، يعرف جيدا ماذا تريد الشخصية، وماذا ينتظر منها الجمهور، فيعطيه ما يريد، مع مفاجآت تبقى عصاه التي سيلقيها في أي لحظة.
مجايلته الفنية للعديد من الأسماء الكبيرة اليوم في الدراما التلفزيونية، سواء كانوا من خريجي المعهد، أم من القادمين من المسرح الجامعي أو غيرها من المحترفات التمثيلية المسرحية، جعلته يختط لنفسه طريقا مختلفا في أسلوبه الفني واختياره للأدوار، التي قبل ببعضها “ليعيش” فالمسرح لا يطعم خبزا، وليصبح مع مرور الوقت، من صفوة المجتمع الدرامي السوري، ومن أهم أعضائه ومعلميه.
غسان مسعود فنان يدرك ما تعنيه هذه الكلمة، في حياته الشخصية، وفي حياته المهنية، تأثر وأثر بالعديد من الأجيال الفنية، وله سمعته الطيبة في هذا الوسط، الذي يخلو إلا نادرا من شبيه!
تمّام بركات
بطاقة شخصية:
فنان وممثل ونجم سوري عالمي، ولد في بلدة فجليت في محافظة طرطوس في 20 أيلول عام 1958، عمل أستاذا في المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا لمدة عشر سنوات. وهو ممثل مسرحي وسينمائي وتلفزيوني مبدع ومميز، قدم العديد من الأعمال الناجحة في المسرح وفي التلفزيون وفي السينما السورية والسينما العالمية، وقدم أدوارا متنوعة باقتدار.
متزوج وله ولدان/ السدير مسعود، مخرج وممثل، لوتس مسعود، كاتبة ومخرجة.