“سينما الأحلام الضائعة” القضايا العربية والسينما
في كتابه “سينما الأحلام الضائعة” الصادر عام 2003 عن سلسلة الفن السابع/منشورات وزارة الثقافة، يناقش ويطرح الناقد والباحث المصري كمال رمزي، عدة قضايا سينمائية تخص السينما العربية، وهي بطبيعة الحال، تنطلق من هذا المفهوم أو هذا البعد، أي “العربي” وتصب فيه أيضا، ويقدم أيضا مجموعة من الأفلام العربية، والتي تمت صناعتها في دول عربية مختلفة، مثل: تونس، الجزائر، المغرب، سورية، لبنان، فلسطين، وهي تطرح في عمومها، قضايا محلية مرتبطة بالبعد العربي، بشكل أو بأخر.
أولى هذه القضايا، جاءت تحت عنوان: “السينما العربية تختنق، والتكامل القومي مفقود” العنوان الذي جاء وكأنه صرخة أو تحذير، لواقع فني متعلق كل التعلق بالواقع الجغرافي والسياسي والاقتصادي القائم، في المنطقة العربية، وهنا يضرب المؤلف مثالا لافتا عن السينما المصرية، وعن تبني الجمهور العربي لها، بل وحمايته لها، والإصرار على مشاهدتها، من باب عريض، وهو اعتبار الجمهور العربي، أن هذه السينما معادية للاستعمار، يقول: “ليست مصادفة أن أول جائزة يحصل عليها فيلم مصري، سواء من داخل مصر أو خارجها، كانت من سورية”، وقد غطت صحيفة “الأهرام القاهرية” الحدث، وكتبت عن الألوف المؤلفة التي جاءت، لتحضر فيلم “غادة الصحراء” الذي عرض في فعاليات المعرض الصناعي في دمشق 1929، مما جعل إدارة المعرض، تقرر استمرار عرض الفيلم لثلاثة أيام، مع منحه لبطلته ومنتجته، جائزة المعرض الكبرى، ولهذه الجائزة كما يقول الناقد كمال رمزي، دلالات روحية، قومية، فالجمهور السوري، تحمس دون تردد للفيلم المصري، واعتبره وكأنه من إنتاجه الوطني، حتى أنه جاء في مبررات منحه الجائزة لفيلم “غادة الصحراء” أن الفيلم اتصل بإحساس الجمهور، وظفر معه بالتقدير” أما أهم ما خلص إليه المؤلف من هذا، بأن الفيلم المصري كان يعتبر إنتاجا عربيا، حتى أنه وإلى وقت قريب، كان يقال عن الفيلم المصري، “فيلم عربي”، يقول رمزي: “ربما لا يعرف الكثير من أبناء الأجيال العربية الجديدة، أن التمسك بمشاهدة الفيلم المصري، كان جزءا من مناهضة المستعمر”.
ومن الجائزة السورية للفيلم المصري، يؤكد المؤلف على واحدة، من أخطر المعوقات التي تعترض الصناعة السينمائية العربية، إلا وهي سوق هذه الصناعات، وبالتالي أرباحها، فهي الكفيلة باستمرار دوران هذه الصناعة الإبداعية، لإن الاعتماد فقط على السوق المحلية، سيؤدي إلى انحدار فني كبير لهذه الصناعة الإبداعية، فما من سوق محلية، قادرة على تحقيق معادلة الربح المنشود لاستمرارها وتطورها، لذا تبحث شركات الإنتاج عن أسواق خارجية، تلبي هذه الحاجة، لأنها متى حققت تواجدها في الخارج، فهي ستكون قادرة على تحقيق التأثير أيضا، وعن هذا يورد رمزي مثالا عن محاولة “السلطات الاستعمارية الفرنسية، منعها الأفلام المصرية، لكن الضرائب التي كانت تعود عليها من تلك الأفلام، جعلتها تعيد التفكير بقرارها.
ضعف إنتاج الفيلم العربي، وضعف توزيعه بالمجمل، جعل من السينما العربية، سوقا للأفلام الأجنبية، أمريكي، هندي، وصار المتفرج العربي، فريسة لأفلام “الكاراتيه” والأكشن التجاري عموما، كما يؤكد مؤلف الكتاب، وعوض أن يصبح الحلم القومي، واقعا فعليا في المجال السينمائي، وعلى مختلف الصعد، خصوصا وأن السينما العربية، كانت جذابة للفنانين العرب، من مختلف الأقطار العربية، وشاهدنا لعشرات الأفلام التي ضمت وفي مختلف مرافق الفيلم، فنانين عرب، إلا أن ما حدث، هو أن كل بلد عربي، صار يعمل على إنشاء قطاعه السينمائي الخاص، ولتشهد حينها كل من سورية والعراق والجزائر، نهضة سينمائية، حققت خضورا كثيفا في دور السينما العربية، قبل أن تشهد تراجعا كبيرا، كان سببه كما يورد المؤلف، عدم تقديم أفلام تراعي مزاج السوق العربي، وهنا لا يعني المؤلف أن هذا المزاج في الدرك الأسفل، كما تقول الأعمال الفنية التي تعجبه اليوم، بل عن المزاج القومي، الذي كان سائدا، والذي لم تستطع السينما العربية، جعله واقعا حتى في أفلامها، رغم تقديمها للعديد من الأفلام السينمائية التي تحمل بعدا عربيا قوميا، منها “الأسوار/ كفر قاسم/ أحلام المدينة/ ففي حين يعكس محمد ملص في فيلمه الشهير، وقائع من حرب السويس على وعي صبي، يستمع لخطاب جمال عبد الناصر، فإن فيلم “الأسوار” يعكس وقائع معركة بور سعيد على مشاعر القوى الوطنية العراقية، وهذا ما قصده الناقد، في عدم مراعاة السينما العربية لـ”مزاج السوق السينمائية العربية”
“كتاب سينما الأحلام الضائعة” والذي يظهر كعنوان فيلم سينمائي، يناقش ويحلل ويصل لنتائج مهمة، حول واقع السينما العربية، كيف كانت وأين أصبحت، كيف كانت هذه الصناعة الإبداعية، قادرة على مخاطبة الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، بل وفي أنحاء مختلفة من العالم، خصوصا وأن العديد من أهم أفلامها، حصلت على جوائز من مهرجانات سينمائية عالمية، وكيف أصبحت بعيدة كل البعد عن تقديم خطاب سينمائي عربي جامع، الحال الذي يبدو أنه انتقل من السينما، بسبب تردي أوضاع الصناعة السينمائية العربية، إلى الواقع العربي!
تمّام بركات