سلايدسورية

في الطريق إلى القرداحة

من تحت أقواس الذكرى، يعبرون، يرتقون الطريق الواصل بين أتستراد جبلة-اللاذقية، والقرداحة، بينما سحر الطبيعة ورونقها المتهادي على جانبي المرتقى، يضفي على الذكرى مهابة من نوع خاص، تحرك امتنانا عميقا، معطرا بعبق أزهار الليمون القوي، وهو يرشد القادم إلى حيث يرقد أحد أعظم الرجال في تاريخ سورية الحديث.
ساحات القرداحة وطرقها، بيوتها وناسها، جبالها وقممها، تنشغل كل عام، باستقبال أهل وأبناء وأحباب “حافظ الأسد” الرجل الذي لاتزال راحتيه مبسوطتين فوق القلوب غيمة، وفوق البلاد خيمة، حتى الأشجار يحسبها الناظر إليها، سواء كان راجلا أم راكبا، تستحم بالضوء، وتتعطر بالندى، في يوم الذكرى “10/6/2000.
وفود رسمية وشعبية، مسؤولون في الدولة والحزب، شخصيات إعلامية وفكرية وثقافية، من سورية ومن خارجها أيضا، رجال ونساء وأطفال، يقصدون طريق القرداحة صباح العاشر من حزيران، في زيارة وفاء ما انقطعوا عنها طوال ربع قرن تقريبا
زيارة تبدأ بالبخور، يتخلل ضوعه ترتيل آيات وترديد مزامير، وتنتهي بقسم يتردد في النفوس صداه، على الوفاء ابدأ لذكرى ونهج القائد والأب الراحل “حافظ الأسد”
واحدة من تلك الزيارات التي تقصد ضريح القائد الخالد في ذكرى رحيله السنوية، تقوم بها السيدة أم نادر، وفاء لنذر صار عمره 23 عاما، لم تخلف خلالها موعد زيارتها السنوي لأبيها الباقي في ضميرها أبدا، تفتتح زيارتها بالبخور تطوف به في المكان، وهي تقرا ما تيسر لها من القرآن الكريم، وبين السورة والسورة، تتوقف أم نادر قليلا، تضع ما في أيديها، وتفتح راحتيها لقراءة الفاتحة، ثم تمسح وجهها وهي تقول: “رحم الله روحك الطاهرة”
قبل 30 عاما، عندما انسدت الدنيا في وجه المرأة التي ترملت وهي أم لخمسة أبناء، وفي الوقت الذي تأفف فيه، القريب قبل الغريب من مساعدتها، ما كان منها إلا أن نهضت باكرا قبل الضوء، صلت الفجر كما نوت، وعندما انتهت من صلاتها، بقيت في حالة سجود على سجادة الصلاة، ونوت ما تريد فعله، مصحوبا بالرجاء والتضرع إلى الله، بالتيسير والقبول، ثم هبطت نحو قرية من قرى مصياف، وفي باص الساعة الرابعة صباحا، المتجه إلى الشام، ركبت ولا يوجد في جيبها إلا ما يكفيها للوصول إلى العاصمة، وبالتحديد إلى بيت الرجل، الذي عرفت أنه بعد الله، من سيعينها، وقد فعل، وها هي وقد وهن العظم منها، واشتعل الرأس شيبا، تمضي لوفاء نذرها، برفقة حفيدها الشاب، الذي يدرس الهندسة، كما والده الذي درسها في الخارج، بمنحة ومكرمة من الأب والقائد والأخ حافظ الأسد.
أيضا من الزيارات اللافتة التي تسعى نحو ضريح القائد الخالد، في صبيحة العاشر من حزيران، من كل عام، زيارة طلاب المدارس بمختلف المراحل الدراسية، منهم الأطفال، يحملون “قطفات” حبق، ليزرعوها في حديقة روحه الدانية القطوف.
ثمة تواريخ يحفظها الناس بضمائرهم، وتصبح من تواريخهم الشخصية في الحياة، وتاريخ رحيل الرئيس حافظ الأسد، هو من التواريخ التي يعتبرها كل سوري أصيل، على المستوى الشخصي، تخصه وتعنيه، عدا عن كون الرجل صاحب الذكرى، من القادة الكبار، الذين شغلوا الناس وملأوا الدنيا، حقا.
يمكن أن نفهم طبيعة العلاقة التي تجمع السوريين بمقام حافظ الأسد الإنساني أولا، من خلال ما قاله شاعر القرن العشرين دون منازع، نزار قباني، الذي لمس هذا الوتر الحساس والدقيق، وعرف قوته وطبيعته، فعبر عنه بالقول: “إن الرئيس حافظ الأسد هو صديق الشجرة والغيمة وسنبلة القمح والحقول والأطفال والغابات، والجداول والعصافير والشعراء وفيروز وعاصي الرحباني. ولو أنّ عصفوراً واحداً سقط أو غمامة واحدة بكت أو سنبلة قمح واحدة انكسرت لحمل إليها حافظ الأسد وعاء المهل ووقف فوق رأسها حتى تشفى”
تمّام بركات