مساحة حرة

«داعش».. ومشروع التقسيم

إعلان مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق عزمه إجراء استفتاء على استقلال الإقليم خلال أشهر، يعني أن الإدارة الأمريكية بدأت تنفيذ مشروعها التقسيمي للمنطقة على أسس طائفية وعرقية، كما يؤكد أن التصعيد الإرهابي لتنظيم “داعش” وسيطرته على مناطق واسعة من العراق، هو صناعة أمريكية بامتياز، هدفها خلق الأجواء الملائمة للبدء بمشروع التقسيم، والذي إن حصل في إقليم كردستان فإنه سيتمدد ليشمل دولاً أخرى بعضها مشارك حتى اللحظة في المشروع الأمريكي التدميري، وأبرزها نظام آل سعود وحكومة رجب طيب أردوغان.

من هنا يصبح المشهد أكثر وضوحاً ويؤكد أن ما سمي “ربيع عربي” وبعد انكشاف تفاصيله الحقيقية فإن هدفه الأساسي تصفية القضية الفلسطينية وحرف المسار العربي عن أولوياته في صراعه مع الكيان الصهيوني، وتحويل الصراع ليصبح صراعاً عربياً عرقياً طائفياً، يقسّم المقسم ويجزئ المجزأ إلى كانتونات صغيرة متناحرة فيما بينها، وذلك ضمن مسعى إضعاف العرب واستنزاف جيوشهم، بعبارة أخرى تثبت الوقائع أن “الربيع العربي” كان وبالاً على الأمة العربية وكارثة سياسية وإنسانية واقتصادية هدفها تدمير الأمة وتكريس الانقسام ونشر فكر تكفيري هدام ضمن الحرب التي نعيشها اليوم.

وبالتالي فإن الإرهاب لن يستثني أحداً من دول المنطقة، بل إن خطره سيكون مضاعفاً على الدول التي باتت “داعش” على حدودها، ومنها نظام آل سعود الذي بدأ يتلمس رأسه من خطر إرهاب رعاه ودعمه في سورية والعراق، وحشد لهذه الغاية نحو 30 ألف جندي على حدوده مع العراق في محاولة منه لدرء الخطر عن أرضه. ولكن هذه الإجراءات الاحترازية للنظام السعودي لا يمكن بأي شكل أو حال من الأحوال أن تقيه شر ما اقترفت يداه، طالما أن الخطر المتأتي عن هذا التمدد ليس عسكرياً فحسب وإنما هو الفتنة الطائفية التي تفسح المجال أمام احتمالات كارثية في المنطقة، وبالتالي فإن المعالجة الأنجع تقتضي العمل على عزل الفكر التكفيري الوهابي المتطرف الذي أنتجه النظام السعودي.

بهذا فقط، يمكن تجنب السيناريو الأمريكي المرسوم للمنطقة، والذي بدأت أولى حلقاته بدعم الإرهاب كبوابة لفصول أخرى تفضي إلى تدخل عسكري مباشر للقضاء عليه بعد أن ينجز المهام التي أوكلت إليه.

إن تطوّرات الأحداث في العراق، ومنها ما أعلنه البرزاني، مرشحة لتكون بداية مشروع تفتيتي جديد لا يستثني خطره أحداً من دول المنطقة، والمتغير الوحيد بين دولة وأخرى هو المصطلح الذي يتلاءم مع التركيبة الديموغرافية للدولة المستهدفة، أما الغاية واحدة يمكن تلخيصها بخلق شرق أوسط جديد بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس قبل نحو عشر سنوات عن طريق ما سمتها “الفوضى الخلاقة”.

على الشعوب العربية أن تعي حقيقة ما يجري، أضف إلى ذلك على بعض الأنظمة التي اعتقدت أنها بمنأى عن خطر الإرهاب التكفيري أن تتعامل بمسؤولية مع مجمل التطورات، فإن بقوا يسيرون على النهج الحالي فلن يطول الوقت حتى يقرع المرتزقة أبوابهم وعندها ستعود أميركا بجيوشها لاستنزاف ثروات شعوبهم بذريعة مكافحة الإرهاب، بذلك فقط يمكن إفشال وهزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني المرسوم.

البعث – عماد سالم