مطالبات بإصلاح النظام الضريبي المتهالك.. ما تأثير الربط الإلكتروني وكيف ستؤثر الفوترة على ضبط الاقتصاد؟
نوايا لدى الإدارة الضريبية لتغيير النظام الضريبي المعمول به حالياً في سورية، بعد عقود من العمل بنظام متهالك قديم عفا عليه الزمان، بإجماع من أهل الاختصاص والخبرة، والذي هو بجوهره عبارة عن مرسوم صدر عام 1949، وبالعرف الاقتصادي من غير المقبول أن يستمر نظام ضريبي سنوات طويلة، فكيف بـ 75 عاماً!؟
دخل للخزينة
الخبراء والاختصاصيين، ممن ألتلقينا بهم، أوضحوا لنا الفكرة من الضرائب، التي تفرض على كل شخص يعمل فوق أراضي الدولة ويحقق دخلاً فيها، بأنها تعد المصدر الأساسي لتمويل الخزينة العامة للدولة وبالتالي الإنفاق العام، إذ لا يمكن للدولة أن تقوم بواجباتها المطلوبة دون الضرائب، فهي تحقق لها قيمة مضافة على الميزانية، وتعد من أهم أدوات السياسة المالية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة.
وتختلف الدولة عن المواطن العادي، بحسب نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور إبراهيم العدي، بأن الأخير يجمع الأموال وبعدها يفكر ماذا سيفعل، بينما الدولة تفكر ماذا ستفعل ثم تجمع النقود، لذا نجد موازنة أي عام توضع في العام الذي يسبقه، وهنا انتقد العدي ضآلة الجانب الاستثماري في الموازنة على حساب الجزء الجاري منها.
إصلاح ضريبي
وفي حديثه مع البعث ميديا، بين العدي أن الحكومات المتعاقبة عجزت عن تغيير النظام الضريبي المعمول به، ولم يحصل إصلاح ضريبي، على حد تعبيره، وإنما جرت بعد التصليحات، لذا بقي النظام الضريبي قائم على الضرائب النوعية الذي كان موجوداً بالـ49 في بعض الدول والتي تخلت عنه بعدها، لافتاً إلى أن سورية كانت مهيأة لإلغائه عام 1961، لكنه استمر حتى الآن.
وأشار إلى أن البعض مستفيد من الفساد الضريبي بوجود نظام ضريبي متهالك وغير قابل للتطوير، مشدداً على أن التغيرات التي حصلت في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تفرض حصول تغيرات في النظام الضريبي، خاصة وأنه ليس قانون طبيعي لا يمكن التعديل عليه.
عدالة ضريبية!!
واعتبر الدكتور في الاقتصاد أن سورية جنة ضريبية، نظراً لعدم وجود ضرائب مرتفعة، وهذا من مواطن الخلل الموجودة في النظام الضريبي الغير قادر على فرض ضرائب عادلة.
وعلى سبيل المثال، ذكر العدي، أن هناك ما يسمى بالعبء الضريبي، ويعني نسبة الضريبة على الناتج الإجمالي، وبالمقارنة مع دول أخرى، كمصر والتي يبلغ العبء الضريبي فيها 22%، فإن العبء الضريبي في سورية كان، قبل الحرب، 11%، والفرق بين هذه النسب هو تهرب ضريبي.
لذا نحن بحاجة لإصلاح ضريبي بشكل ملح، والبحث على الفعاليات الاقتصادية التي حققت الأرباح وفرض ضرائب عليها، وكما عبر العدي (قص صوف الأكباش خير من سلخ جلد الحملان).
ضرائب عمياء
للضرائب دور في إعادة توزيع الدخل بما يساعد على التخفيف من أوجه عدم المساواة، وبالتالي تقليل الفوارق الطبيعية بين المواطنين، وعليه فهي تحافظ على تماسك العقد الاجتماعي.
ورغم أن دستور الجمهورية العربية السورية نص صراحة في المادة (18) منه على أنه “يقوم النظام الضريبي على أسس عادلة، وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية”، إلا أن التصاعدية في الضرائب بقيت نظرية، بحسب الباحثة الاقتصادية رشا سيروب.
الباحثة دعمت أقوالها بما تظهره البنية الهيكلية للضرائب، حيث أن الجزء الأكبر من إيرادات الضرائب تأتي من الضرائب غير المباشرة كالرسوم الجمركية ورسم الإنفاق الاستهلاكي، وهي ضرائب عمياء لا تتحرى العدالة الاجتماعية، وهذا عكس الضرائب التصاعدية، إذ لا تميّز بين المقدرة التكليفية للممولين.
مباشرة وغير مباشرة
وبحسب سيروب شكلت الضرائب غير المباشرة أكثر من 50% من إجمالي الإيرادات الضريبية، وهذا يعني أن المواطنين والأسر الأقل دخلاً يقع عليها العبء الأكبر من الضرائب، كنسبة من إجمالي دخولهم، خاصة وأن هذه الشريحة من المجتمع يشكل الاستهلاك معظم دخلها.
وباعتبار أن أصحاب الثروات والدخول لا يمكن تحميلهم العبء المستحق إلا من خلال ضرائب مباشر، هذا يعني أن النظام الضريبي بهيكليته الراهنة يعاقب الشرائح الأقل دخلاً ويسهم في زيادة حدّة اللامساواة بين الأكثر غنى والأكثر فقراً.
ويتفق هذا الرأي مع ما تحدث به الدكتور إبراهيم العدي، نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، إذ إنه عندما تعجز الدولة على فرض الضرائب تقوم بفرض الرسوم، وفقاً له، مبيناً أن الضرائب المباشرة هي معيار تطور البلد، وبزيادتها يكون الاقتصاد بخير.
دخل وإنفاق
العدي أوضح بأنه لا بد من إنجاز نظام ضريبي جديد بدلاً من النظام الضريبي الموجود غير واضح المعالم، والبديل عنه يكون بضريبة موحدة على الدخل، وهي تصاعدية على الأفراد ونسبية على الشركات، وضريبة على الإنفاق أو ما يسمى بضريبة القيمة المضافة، وهي تفرض على المستهلك وعملياً هي كل عملية تداول للسلعة أو الخدمة، وهذا النظام الضريبي موجود بكل دول العالم.
ما طرحه دكتور الاقتصاد تعمل عليه وزارة المالية في الوقت الراهن، وذلك بحسب ما صرح به معاون وزير المالية (مدير عام هيئة الضرائب والرسوم سابقاً) منذر ونوس، خلال لقاءه عبر منصتنا الـ (BTV)، حيث أفاد بأن الهيئة تستهدف بعملية الإصلاح تعديل النظام الضريبي نحو ضريبتين أساسيتين على الدخل والإنفاق.
كيف تعمل هيئة الضرائب والرسوم السورية
ونوس أوضح أنه تم العمل على ثلاثة محاور أساسية، الأول انطلق من بناء علاقة مع المكلفين على أسس من الشفافية والثقة، والمحور الثاني يتعلق بتطوير أدوات الإدارة الضريبية وعملها وبناء الخطط الخاصة بها، وثالثاً الجانب التشريعي، وبهذا الصدد صدر المشروع رقم (30) الذي عدل على قانون الضريبة على الدخل كخطوة أولى في عملية الانتقال إلى الضريبة الموحدة على الدخل والتي ستكون قيد التداول قبل أن تأخذ طريقها نحو الصدور الرسمي، ومؤخراً صدر القانون (15) الذي عالج بعض الإشكاليات في سبيل الانتقال إلى الضريبة على القيمة المضافة.
القاعدة الضريبية
على الرغم من استمرارية تأكيد البيانات المالية للحكومات المتعاقبة على خطر تراجع التحصيلات الضريبية، إلا أنها تعاملت مع النظام الضريبي بشكل سطحي، من وجهة نظر الباحثة الاقتصادية رشا سيروب، وذلك من خلال إجراء بعض التعديلات المجتزأة على ضريبة الدخل، وعلى وجه الخصوص ضريبة الرواتب والأجور والضرائب على الأرباح الحقيقية، دون محاولة جدية لتوسيع القاعدة الضريبية لتصل إلى أفراد ومؤسسات تحقق إيرادات جيدة نسبياً ولا تسهم في الإيرادات الضريبية بما يعكس حجم نشاطها الحقيقي.
ووفقاً لسيروب لم تتجاوز نسبة ضريبة الأرباح 2% من الناتج الإجمالي المحلي رغم أن حصتها منه تجاوزت 85%، فضلاً عن أن ضريبة رؤوس الأموال المتداولة وضريبة ريع العقارات (ضريبة الثروة) بقيت عند مستويات خجولة جداً مقارنة بحجم الثروات التي يتم تحريكها وتداولها، وهي أقل بكثير من الضريبة على الرواتب والأجور.
إنتاج وضرائب
ومع كل الحديث عما يجب أن يكون عليه النظام الضريبي، وعن المواطن الضريبية جيدة التي تحقق واردات لا تؤثر على المواطنين، لكن لا يزال هناك مواطن تشكل عائقاً أمام تطوير عجلة الإنتاج، نتيجة فرض ضرائب غير عادلة على مواد الإنتاج وروافع الطاقة، وفقاً لرأي الخبير الاقتصادي فاخر القربي.
القربي أشار إلى أن الضرائب خلقت مشكلة كبيرة لدى المنتجين كون النظام الضريبي الحالي لم يراع موضوع المصاريف والنفقات والتكاليف بشكل عام، منوهاً إلى ضرورة النظر بعين أبوية الدولة فيما يخص ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض حجم الاستهلاك، الأمر الذي يشكل حالة من الركود التضخمي وضعف في المبيعات وارتفاع في الأسعار.
واعتبر أنه إذا أردنا خلق اقتصاد متعافي يجب وضع المنتج في الداخل مع المستثمر في الخارج بكفة واحدة، من ناحية الإعفاءات الضريبية، حتى يستطيع أصحاب الأعمال في الداخل من الإنتاج بما ينعكس على تحسين القدرة الشرائية.
فلتان اقتصادي
ومن الملاحظ، بحسب القربي، لجوء الكثير من أصحاب الفعاليات إلى مناطق المخالفات لأن الضرائب لا تطالها غالباً، وهذا يساهم في تنامي اقتصاد الظل إلى حدود غير مسبوقة.
وفي هذا السياق، ذكر الدكتور إبراهيم العدي أن ثلاثة أرباع الاقتصاد السوري هو اقتصاد ظل، لا يدفع الضرائب، الأمر الذي يتطلب تنظيماً وضبطاً ليصبح مصدر دخل للخزينة العامة، معتبراً أن هذا الفلتان الاقتصادي خطير جداً، يتطلب فرض قوانين صارمة وتحديد الضريبة وتنظيم الاقتصاد، خاصة بعد أن حدد السيد الرئيس بشار الأسد هوية الاقتصاد السوري بأنه (اقتصاد السوق الاجتماعي)، وهو سوق قائم على المنافسة.
ربط إلكتروني
ولتحقيق أحد أشكال العدالة الضريبية كان تطبيق آلية الربط الإلكتروني، منذ أكثر من عام، والتي ألزمت من خلالها هيئة الضرائب والرسوم العديد من الفعاليات التجارية والصناعية والسياحية والطبية وغيرها بربط الفواتير المصدرة مع قاعد بيانات الإدارة الضريبية.
هذا الربط، الذي أثار العديد من الجدل حوله وكيفية تطبيقه بما يخدم الأهداف الموضوعة له، اعتمد، بحسب منذر ونوس، على معايير عدة لاختيار القطاعات التي يجب أن يتم ربطها.
وهنا أفاد ونوس أنه بالاقتصاد هناك ما يسمى بترابطات أمامية وترابطات خلفية، أي أن القطاعات الاقتصادية مترابطة فيما بينها، إما بشراء مواد وإعادة إنتاجها أو توزيعها أو بيعها لقنوات التصريف الخاصة بها، وبهذا السياق، نوه ونوس إلى أن الهيئة كانت حريصة على اختيار القطاعات التي لديها إمكانية للربط الإلكتروني، أي التي تقوم أساساً بتنظيم سجلاتها على برامج محاسبية.
وما قامت به هيئة الضرائب هو تطوير تلك البرامج وعمل اعتمادية لها قبل الخوض بعملية الربط، وبعدها أخذت القطاعات التي تشتري من قطاع لديه ربط إلكتروني بالتالي أصبح من اللازم أن تكون ضمن منظومة الربط الإلكتروني.
وبالانتقال إلى الربط مع فئة الدخل المقطوع، ذكر ونوس أنه تم اختيار القطاعات التي تملك الإمكانيات أو تنافس قطاعات أخرى مربوطة إلكترونياً في مرحلة سابقة.
التعليمات التنفيذية الخاصة بالقانون رقم /15/ لعام 2024
الربط ليس حلاً وحيداً
الباحثة الاقتصادية رشا سيروب وجدت أن الربط الإلكتروني لا يمكن أن يكون حلاً لمشكلة التهرب الضريبي أو يساعد في توسعة القاعدة الضريبية فالمسألة أعقد من ذلك بكثير، إذ تكمن المشكلة في شكل العلاقة بين الدولة وقطاع الأعمال والفئات ذات الثروات والدخول المرتفعة.
فيما لفتت إلى أنه يمكن أن يساعد في تحقيق زيادة هنا وهناك، ولكن لن يؤدي إلى ضمان استدامة هذه الإيرادات، فكفاءة النظام الضريبي لا تتوقف على التشريع الضريبي وأتتمة البيانات، رغم أهميتها.
هذا فضلاً عن ضرورة بناء ثقافة لدى المواطن للحصول على فاتورة، والتي يمكن تعزيزها من خلال حصوله على بعض المنافع.
الفوترة
ويضيف نائب عميد كلية الاقتصاد الدكتور إبراهيم العدي، على ما طرحته الباحثة الاقتصادية، بأن الربط الإلكتروني هو كل متكامل، ويمكن أن يلعب دوراً في ضبط الفلتان الضريبي ولكن يجب أن يكون هناك فوترة مضبوطة بالعلاقات التجارية قبل الربط الإلكتروني.
مبيناً أن دور الربط الإلكتروني حالياً شكلي، حيث إن كل تاجر يسجل بعض العمليات التي يجريها وليس جميعها، وهذا يقود في النهاية إلى تهرب ضريبي، أي أن التجار يتهربون بالقانون من خلال تطبيق الربط بشكل غير صحيح، وعليه يدفع التاجر الضريبة التي يريد أن يدفعها وليس ما يجب أن يدفعه.
ثقة
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي فاخر القربي على أننا إذا أردنا أن تعزيز مشروع الربط الإلكتروني لابد من العمل على خلق حالة من الثقة بين الوزارات المعنية والفعاليات الاقتصادية، نتيجة غياب النظرة الحقيقية الرسمية للتكاليف والبحث عن نسبة الأرباح الحقيقية.
وهذا بالإضافة إلى ضرورة إسهام الهيئات المعنية برسم آلية عمل الربط، لوضع المخرجات قيد التنفيذ الحقيقي وليس الوهمي.
ضبط الاقتصاد
الضريبة هي مهمة وطنية ومن خلال إعادة ضبطها يمكن ضبط الاقتصاد، وهي من أهم القضايا التي يُعني بها المكلفين من رجال أعمال ومشرعين والجهات المعنية باتخاذ القرارات الاقتصادية، وعليه، برأي الخبراء والاختصاصيين، يجب التكييف بين متطلبات التمويل وتحقيق العدالة الضريبة، وفوق هذا كله أساس إصلاح النظام الضريبي يكون بضبط حقيقي للسوق والأسعار، وفرض نظام فوترة لضبط كل العمليات، وهذا مسؤولية الحكومة.
إعداد المحتوى المرئي والاشراف: بلال ديب
إعداد النص: رغد خضور – ابراهيم الجهني