نافذة على الصين

الأكثر تنوعاً والأكثر تنظيماً.. كيف حافظت الصين على انسجام القوميات والأديان فيها؟

بكين – ريم ربيع

حين تدخل إلى قاعة الشعب الكبرى في بكين، تلفتك فور تجاوزك البوابة الرئيسية أشجار الرمان التي تزين البهو الرئيسي من الجانبين، وتستقبل ضيوف هذه القاعة المركزية، ولدى تساؤلك عن سبب اختيار الرمان كرمز أساسي في هذا المكان الحيوي، يخبرك العاملون في القاعة أن تلك الأشجار ترمز إلى الوحدة الوطنية التي تربط عدداً كبيراً من القوميات والأديان في الصين، وتماسكها معاً كما ثمرة الرمان، ويضيفون أن القاعة بالكامل مصممة لترمز إلى الوحدة الوطنية والمساواة العرقية، وتجسد الطابع الصيني الجديد، فلكل مقاطعة ومنطقة إدارية قاعة خاصة بها في القاعة الكبرى، وتتميز كل منها بالخصائص الفريدة للمحافظة، وتؤثث على الطراز المحلي.

في الصين يوجد 56 قومية مختلفة، يتوزع أبناءها في مختلف المناطق، ويحصلون بالتساوي على جميع حقوقهم المدنية والاجتماعية، ولهم مشاركة متساوية في إدارة شؤون الدولة. أكبر هذه القوميات هي “هان” التي تشكل أكثر من 91% من السكان، وأصغرها “لوبا” فلا يتجاوز عدد أبناءها 5000 نسمة، وقد لجأت الحكومة الصينية إلى إعطاء السلطة لبعض المناطق ذات الأقليات القومية، وتطبيق نظام حكم ذاتي فيها واستحداث أجهزة حكومية خاصة بها، مع التأكيد أن كل المناطق جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، ويجب ضمان تنفيذ الدستور والقوانين فيها.

وتنقسم مناطق الحكم الذاتي إلى خمسة: (منغوليا الداخلية، شينجيانغ الويغرية، قوانغشي، نيغيشيا، التبت) ويرجع تاريخها إلى 1952 إذ أثبتت التجربة الصينية نجاحها خلال هذه الأعوام، وحافظت على انسجام القوميات مع القيادة الموحدة للدولة على التوازي مع إدارة شؤونها بنفسها، والحصول على الرعاية الاجتماعية والاقتصادية، والمشاركة المتساوية في إدارة شؤون الدولة.

ويمكن خلال التواجد لفترة قصيرة في أية مدينة صينية ملاحظة التنوع الديني أيضاً، والمظاهر والطقوس التي تمارسها الأديان على اختلافها، وهي خمسة أديان: (البوذية والطاوية والكاثوليكية والبروتستانية والإسلام) فيما تتمسك الحكومة الصينية بإدارة الشؤون الدينية بشكل داخلي، فجميع الأديان لها الحق بإدارة شؤونها وممارسة عاداتها وطقوسها، دون السماح بتدخل أي جهة أجنبية.

وفي متابعة للقوانين والأنظمة المتعلقة بالأقليات القومية والدينية، تجد الكثير من التفاصيل التي تراعي خصوصية واحتياجات معظم الأقليات، فمثلاً يتمتع أبناء الأقليات بحق تخفيض النقاط للقبول الجامعي، ويتم إعداد كوادر منهم للعمل بمراكز حكومية سواء في مناطق الحكم الذاتي، أو في الإدارة الرسمية للدولة، وخلال الأعوام التي اتبعت فيها الصين سياسة تحدد النسل، ومنع إنجاب أكثر من طفل واحد، كان مسموحاً لبعض القوميات ذات التعداد القليل إنجاب أكثر من طفل نظراً لقلة تعدادهم، وتقدم الحكومة المركزية المساعدات للأقليات القومية، وتخفض نسبة الضرائب التي تقدمها مناطق الحكم الذاتي لها، كما تقدم مبالغ مالية للمناطق المتأخرة اقتصادياً.

وفيما يوجد أكثر من 22 مليون مسلم في الصين، تتمتع هذه الفئة أيضاً بالعديد من المزايا والحقوق، وتلحظ انتشار للمساجد في الأحياء التي يقطنها المسلمون، كما يتم منحهم في مؤسساتهم عطلاً في أعياد الفطر والأضحى، ومنحهم مكافآت مالية فيها، ولا تخلو أية مؤسسة حكومية أو خاصة من مطعم خاص بالمسلمين، وهو أمر يمكن لحظه أيضاً في معظم الأحياء، فمن النادر خلوّ حي من مكان مخصص لطعام المسلمين.