أخبار البعثالشريط الاخباري

حديث نقدي في الإعداد الحزبي.. المفتاح: التثقيف البعثي مهم لتحصين «حالتنا الوطنية»

أن نعيد التفكير في تثقيفنا البعثي تجاه إنتاج ما هو مفيد لتطوير “حالتنا الوطنية” وتحصين “فكرتنا السورية” مما أصابها وشابها، لنشكل بما نحن عليه من وطن ومجتمع وقيم سياجاً صاداً لكل محاولة اختراق تستهدف الكتلة الحضارية التي عنتها سورية وعرَّفت نفسها بها على مر العصور، وبمعناها التاريخي الجغرافي من جانب، والفكري الاجتماعي من جانب آخر، فتلك مهمة أولى على الحالة الحزبية أن تتصدى لها، لنعيد وفق ما يجب أن نكونه تثقيف بعثيينا باتجاهات رافعة للوطن والناس، وهنا، مَنْ غير مدارس الإعداد الحزبي إلى جانب الاجتماع الحزبي والملتقيات والمؤتمرات مكاناً رحباً تتفاعل فيه آلام وآمال بعثيين وسوريين يريدون لوطنهم الخلاص، وينظرون لغدٍ، وكلهم أمل أن يكون أفضل مما سبقه.

تلك فكرة أساس دارت حولها أفكار تابعة ولاحقة في لقاء جمع الدراسيين في مدرسة الإعداد الحزبي في فرع دمشق للحزب مع الرفيق الدكتور خلف المفتاح عضو القيادة القطرية رئيس مكتب الثقافة والإعداد والإعلام، في حديث نقدي بين الحضور، قوامه، كيف يمكن للتثقيف الحزبي أن يساعد البعثيين في إعادة امتلاك اللحظة بفعلٍ يشكل عاملاً أساس في إعلاء شأن الهوية الوطنية الجامعة، ومنع الآخرين أياً تكن أجنداتهم من إعادة نبش هويات طارئة ما تحت وطنية لتكون حربة بوجه الهوية الوطنية.

وإذاً، بهذا المعنى نكون أمام توصيف لما يجري في سورية من أننا نخوض حرباً ثقافية تستهدف بنيتنا الثقافية و”الحالة الوطنية” الجامعة و”الفكرة السورية” وإذا أتاح منهج البحث متسع لعملية تفكير هادئة وفق “علم الاجتماع السوري” لفهم ما جرى، في ثنائية “الفك والتركيب” لمفردات الحرب، فسنجد أننا أمام راهن تكفيري وصهيوني وغربي يروم إسقاط هويتنا الوطنية الجامعة وإعادة تعريف سورية بهويات ما تحت وطنية، هويات عرقية وطائفية متصادمة فيما بينها في إعادة إنتاج لسايكس بيكو جديدة، وهي هويات لفظها السوريين عبر التاريخ ولم تجد لها مكاناً في تجلياتهم، وبالتالي أيضاً، فما نراه من استهداف تدميري لكل ما أنتجناه في الفلاحة والصحة والتعليم والصناعة والاقتصاد والمعيشة هو مع أهميته وألمه على الهامش، وأن ما على السطر من تخريب للعقل والثقافة والانتماء والقيم الفكرية والأخلاقية وحتى الدين الذي يعاد تعريفه أيضاً بشكل يناسب امتداداتهم وأطماعهم هو الأساس، لنصل تالياً إلى أننا إذا أردنا المكاشفة، فنحن أمام مشروع اشتغل على أخطائنا مثلما اشتغل على سعير المؤامرة، وغايته ليست المكان فقط بمعنى الأرض وما فوقها من دولة ونظام وبنى ومؤسسات، وإنما الإنسان والمجتمع بمعنى القيم والتراكم الفكري والاخلاقي والذي نعبر عنه في “العقل السوري” الذي كان أكثر المستهدفين فيما يجري.

الرفيق الدكتور خلف المفتاح وهو صاحب التجربة الطويلة مع مدارس الإعداد الحزبي اعتبر أن قطف ثمار المشاركة بدورات الإعداد الحزبي يكون بعد الدورة حين يتحول الدارس وعبر حالة ثقافية عاشها إلى فاعل حقيقي سياسي وتثفيقي في العمل البعثي والوطني داخل مجتمعه القريب، في أسرته وحيه وبلدته ووطنه، ما يعني أن على الدارس والمشارك أن يعيش الحالة الوطنية ويغني الفكرة السورية، وأن يفعل ما بوسعه لإعادة بلسمة ما أعطبته الأزمة من مكامن في بنية “العقل السوري”.

وإذاً، ليس ينبغي النظر لمشاركة الرفاق في الدورات من منظار أنها المكان لتأهيل الكوادر القيادية فحسب، وإنما في كونها تحدٍ ثقافي وتثقيفي كبير أعلنه المشاركون تجاه ما يجب أن يكونوه ويفعلوه من عمل بعثي، وهو تعبير عن روح عالية ورغبة بثقافة بعثية وطنية والتزام بالعمل والمهام وتجسيد لحالة الدينامية التي لطالما كرسها حزب البعث العربي الاشتراكي بما هو في واحد من تجلياته مشروع فكري عروبي حضاري.

اللقاء كان أكثر من فرصة لرصد راهنٍ تعيشه سورية ويعيشه البعث، فرصة مكاشفة ومصارحة اتجهت صوب روافع وصوب خوافض ومواجع، في نقد ذاتي يعيد البعث الاشتغال عليه، وهو أكثر ما يكون اليوم بحاجة إلى تفعيله، وبالتالي، بهذا المعنى يعيد الرفيق الدكتور المفتاح توصيف المهمة التي ينبغي للتثقيف البعثي أن يجسدها، وما يمكن أن تقوم به مدارس الإعداد الحزبي من دور يفعل فعله في جسد الحالة الحزبية ويدفعها صوب الحالة الوطنية.

وإذاً، اعتبر الحضور ضيفاً ودارسين أن من مهام التثقيف البعثي أن يواصل التصدي للفكر الظلامي الذي نواجهه والذي يريد إقصاء كل شيء، ودفن كل ما هو مفيد وعقلاني، المطلوب وفق نسق العدو منا أن لا نشبه أنفسنا، أن لا نكون هذا التنوع الحضاري، المطلوب إحضار ثقافة لا تشبهنا وزجها بوجهنا، المطلوب بعثرة هويتنا وحضارتنا، ليس نحن السوريين فقط، بل أيضاً فضائنا القومي العروبي بكل تياراته وانتماءاته وتنوعه الحضاري والديني، والذي هو أيضاً في مرمى الإرهاب.

من هنا، يقول الرفيق الدكتور المفتاح حين نعلن أن سورية بجيشها وشعبها تدافع عن مشروع حضاري عروبي بوجه مشروع ظلامي تكفيري، يتأكد أنه قول سليم بالمعنى الفكري والفعلي، وبالتالي كل المهزومين من مشروعنا الحضاري على مدى خمسين عاماً مضت هم اليوم أدوات بيد المشروع المعادي، كل الذين انهزموا أمام مشروع البعث ومنجزاته للإنسان والأرض يعتدون على سورية، يستثمرون كل ما يمكن من غرف استخبارات وفتاوى وإيحائية دينية لضرب هويتنا الجامعة، وبهدف خدمة إسرائيل، وإن جاز لنا القياس، فإن ردنا عليهم، شعباً وجيشاً كشف ويكشف صلابة هويتنا الجامعة التي يراد تهشيمها وتهشميها والتي اكتشفنا أن ثمة أخطاء أصابتها ولابد من المعالجة.

هذا يقتضي مراجعة نقدية، تكشف ما يجب تداركه، فالأزمة ليست كلها مؤامرة، وإنما هي في جانب منها أخطاء وقعنا فيها ولم نتداركها وأتى من ركب فوقها وفعل فعلته، علينا أن نعيد قراءة الواقع والفراغات التي تخللته لنعيد ملأها، هذا يقتضي أن نكون فاعلين حقيقيين لنشر ثقافتنا المعرفية وأن نخضع كل ما يحيط وكل ما أنتجناه لعملية إعادة تفكير هادئة ومنتجة، تكشف لنا جوانب تقصيرنا وما يجب فعله، مثلما كشفت لنا خلال الازمة أن جيشنا الوطني كان ضميرنا الأخلاقي الذي دافع عن فكرتنا السورية وحماها من العدوان.

وإذاً، يؤكد الدكتور المفتاح لأننا مؤمنين بأننا على حق، فنحن على ثقة أننا سننتصر في المواجهة، وستعود سورية كما كانت، وهذا يقتضي أكثر أن نعلي من شأن الوعي الوطني تجاه آمالنا وتحدياتنا وطموحاتنا، أن نزيد من الوعي داخل الأسرة والحي والمدرسة، أن ندعم الدولة والجيش، وأن نعيش ظروف اقتصاد الازمة وأن نعتمد الاقتصاد المنزلي، أن نسدد التزاماتنا تجاه الخدمات التي تقدمها الدولة من مياه وكهرباء وغيرها، أن نوفر في مصروفنا وأكلنا، وأن نخفف الأعباء عن الدولة لا أن نزيدها، وأن نؤكد على سورية الجامعة لكل السوريين بغض النظر عن الدين والمعتقد والمذهب والعرق، وأن نواصل تقديم الإسلام والمسيحية بصورتهما الحقيقية للناس، وأن نمنع الإرهاب من السطو على الدين، وأن نؤكد أن التقرب إلى الله بالعمل والعبادة وليس بالقتل والذبح، وأن على من يدخل المسجد أن يخرج وقد أصبح قلبه أكثر إيماناً وتسامحاً وعيشاً مشترك، وبالتالي أن يكون لنا مشروعنا الحضاري كباقي الأمم، وأن نواصل تعريف العالم بجوهر الفكرة السورية من حيث هي تنوع وتسامح وعيش مشترك وتآخي وتشارك ورحمة ومودة وأخلاق وفعل وعمل.

في جانب آخر من اللقاء، بحث الحضور في حوار نقدي واقع العدوان على سورية تناول العامل الخارجي والداخلي للأزمة والتدمير الممنهج الذي تقوم به المجموعات الإرهابية للبنى التحتية والمجازر التي ترتكبها، ومخططات النظام السعودي والقطري ودورهما التآمري، كما ناقشوا رؤية الدولة للحل السياسي والمتوقع من مؤتمر جنيف وما يجب أن يتخذ على صعيد مكافحة الإرهاب ومواصلة الجيش دوره الوطني في إعادة الأمن والاستقرار لربوع الوطن.

كما بحثوا واقع البعث وتجربته والخلل الذي أصاب بعض جوانب العمل الحزبي، واعتبروا أن الوعي وعبر دورات الإعداد الحزبي والتثقيف المتواصل ينبغي أن يدفعنا نحو آلية تفكير تجدد البعث وتعيده إلى قاعدته الشعبية، والقيام بدوره النضالي.

بعد ساعتين من الحوار عن الأزمة وتداعياتها، عن الإعلام والثقافة، وعن البعث والوطن، ختم الرفيق الدكتور المفتاح الحديث بدعوة الدراسين في الدورة والبعثيين إلى مواصلة الفعل التثقيفي الواعي الذي يدفع بالقيمة الأخلاقية على حساب تراجع القيمة المادية، وأن نواصل جميعاً مراجعتنا النقدية والأخلاقية لدورنا وسلوكنا لما فيه خير سورية وفي ظل هويتنا الوطنية الجامعة.

البعث ميديا || عمر المقداد