line1مساحة حرة

عـام التـحوّلات الـواعدة

ها نحن نودّع عاماً مضى من المصاعب والتحديات أقل وطأة مما سبقه من أعوام العدوان على سورية، وهانحن نرنو إلى عام جديد يحدونا فيه الأمل المنبثق من صمود شعبنا وجيشنا وقيادتنا السياسية في معركة الهوية والانتماء والمصير.

وها هي الأيام بل اللحظات الأخيرة من 2015 تبدو واعدة بالانتصار القريب على الظلام والتطرّف والتكفير، على الإرهاب الذي تأكدّ خلال هذا العام تحديداً أنه تحوّل تحدياً كبيراً فاضحاً لداعميه، بل تهديداً بالفعل الظاهر والمستتر، وبالقول المضمر والمعلن.

فلا شك في أن صمود السفينة السورية في هذا البحر متلاطم الأمواج خلف قيادة ربان ماهر آمن بشعبه ووطنه وأمته بدأ منذ هذا العام يغيّر كثيراً من المفاهيم والتوقعات والتحليلات.

فيومياً نقرأ في الصحف ومراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي في الغرب والشرق تصويباً لأخطاء القراءة حول سورية وقائدها، وإن كان من أهم ماقرأناه مؤخراً ما أكّده سيمور هيرش ومحمد حسنين هيكل… وغيرهما كثير، وسيزداد… وسنقرأ العام القادم ونسمع أكثر.

فمن منا لا يدرك أن الاجتماعات الأخيرة في فيينا وموسكو والقاهرة ونيويورك مثّلت تحولاًَ في الاستجابة للرأي العام العالمي بعدم استساغة، أو بعدم السماح بالمساس بمقام الرئاسة السورية كشخص، وكخيار. هذا التحوّل نابع من ديناميكية السيد الرئيس ومرونته الاستراتيجية المقترنة بثباته في الوقت نفسه تجاه القضايا المصيرية. وهذه المرونة والديناميكية لم يدركها داعمو العدوان على سورية الذين غاب عنهم أن مسار الأحداث تجاوز قِصر النظر عند حكام السعودية وقطر وتركيا الذين يظنون أنهم مايزالون في عام 2011، فالأوضاع تتغير بينما هم باقون على رجعيتهم إلى الخلف في كل شيء، في الدين والدنيا، عاجزون عن النظر إلى الميدان، وعن قراءة الواقع والمستقبل في سورية والعراق – وغيرهما قريباً – الذي تصنعه أصالة شعبنا بوعيه وانتمائه.

لقد بات استهداف القادة الوطنيين اليوم، ظاهرة دولية من قوى التسلّط والهيمنة التي ترى في الدولة الوطنية المتمسّكة بسيادتها واستقلالية قرارها عدوّها الأول نظراً لما تمثله تلك الدولة من عقبة كأداء في وجه تحقيق الهيمنة على العالم.

ولا يخفى على أحد أن السيد الرئيس بشار الأسد هو أبرز رموز النهج الوطني الاستقلالي المناهض لمشروع الهيمنة الأجنبية في المنطقة والعالم كله، وأن سورية في ظل قيادته الحكيمة ونهجه المقاوم تمكّنت من إفشال مخطط إسقاط دولتها الوطنية، وتوجيه ضربة قاصمة للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وهذا ما يفسر لماذا تغتاظ قوى الهيمنة ولاسيما الولايات المتحدة وخدمها الأوروبيين، كل هذا الغيظ من سيادته، ولماذا يحقدون عليه كل هذا الحقد؟!

فنحن لم نكن نتوقع أن تخرج اجتماعات فيينا هذا العام حول الأزمة في سورية بالتأكيد على الهوية العلمانية للدولة السورية، فكيف للسعودية وقطر وتركيا ولأسيادهم أن يوافقوا على هذا الطرح؟ وهم يجهلون أن العلمانية في سورية – وحدة التنوع تاريخياً – هي من صفات هويتها الوطنية، بل أن لا وطنياً في سورية يستطيع العيش فيها وينكر العلمانية. فالعلمانية ليست ضد الدين أبداً، بل تعني سوسيولوجياً فصل الدين عن الدولة.

لكن القرار الأممي 2254 وقع في خطأ حين صرف النظر عن هذه المسألة واستعاض عنها «بسورية غير الطائفية» أي كمن فسّر الماءَ بعد الجهد بالماءِ، إذ يثبت تاريخ سورية القديم والحديث والمعاصر أنها لا يمكن أن تكون طائفية، فهي تاريخياً أسطع أنموذج للعيش المشترك، لكن هكذا رأى المجتمعون، ولا بأس عندنا. لكن المشكلة مستمرة عند المجموعات المسلحة المتشظّية المتذررة عن الإسلام السياسي بلبوسه الجهادي والتكفيري، وعند هؤلاء الحمقى الذين يظنون أن واحداً من أمثال المجرم الإرهابي المقتول زهران علوش وجماعته وداعميه يمكن أن يكون وطنياً، أو علمانياً، أو غير طائفي، وها هي القيادة السعودية والتركية والقطرية تسمّي الأشياء البغيضة عند السوريين بمسمياتها المذهبية..

لكن بالمقابل لم نكن نتوقع أيضاً أن نجني نص القرار المذكور في المادة 8 منه بالتأكيد على «منع وقمع الأعمال الإرهابية التي ترتكبها سائر الجماعات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش «وغيرها» من الجماعات الإرهابية، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات في أجزاء كبيرة من سورية»، وقد سبق هذا النص بتأكيد القرار على «أن السلطات السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية سكانها».

فقد انتقل مأزق تصنيف المجموعات المسلحة بهذا القرار إلى المجتمع الدولي، وإلى الأطراف الداعمة لها، لأن مسؤولية السلطة في حماية السكان تجعل كل من يحمل السلاح غير الجيش الوطني، ويمارس ماتمارسه هذه الجماعات هو إرهابي، ولاسيما أن مقدمة القرار نصّت على أنه «لابد من التنسيق مع الحكومة السورية في مختلف جوانب هذا القرار».

إذن، لماذا المشكلة في طرح الحكومة الوطنية، خاصة مع وجود نص «الشعب السوري وحده يقرر مستقبله»؟. فهيئة الحكم القادمة بموجب فقرات عديدة في القرار هي حكومة وطنية، ولتنجح في تنفيذ القرار المذكور يجب أن تكون حقيقةً حكومة وحدة وطنية، فلماذا إذاً الخوف من الوحدة الوطنية؟ ومن الذي يخاف؟.

لا شك في أن الخوف من فشل المؤامرة على سورية الشعب والتاريخ والجغرافيا والدور هو الذي يدفع أطراف المؤامرة إلى الاعتراض على «حكومة الوحدة الوطنية»، لأنهم لا يريدون وطنيّة هذه الحكومة، ولا وحدة بين أطياف الشعب السوري وأبنائه.

لكن جماهير شعبنا وحزبنا بخبرتها النضالية على امتداد ساحة الوطن، وبإيمانها بالوطن وبالقائد الأسد قادرة على ردم الهوة بين النص والتطبيق التي عكست مرات عديدة عدم جدية بعض الأطراف في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وقادرة في الوقت نفسه على إنجاز التحولات الواعدة.

د. عبد اللطيف عمران