مساحة حرة

جنيف المنتظر..والحلقة الضائعة ؟؟

أبدت القيادة السورية مرونة عالية في التعامل مع المبادرات الدولية المتعددة على مدى عمر الأزمة السورية التي اقتربت من إنتهاء عامها الخامس، وقدمت كل ما لديها من عناصر دعم وعوامل مساعدة لنجاح عمل اللجان و الاشخاص الذين تم تكليفهم بتنفيذ تلك المبادرات منذ إنطلاقتها الأولى تحت رعاية الجامعة العربية ومن ثم مع المبعوثين الدوليين العاملين تحت راية الأمم المتحدة، وكانت المشكلة الأساسية ان جميع المبادرات التي طرحت كلنت تنتهي إلى الفشل على اعتبار جزء هام من سبب فشلها كان يتمحور حول عدم فهم القائمين عليها لدورهم المفروض  ولآلية عملهم المحددة  بما يتفق والتشريعات والقوانين الناظمة لعمل الامم المتحدة وبما ينسجم مع ميثاقها العام ، إضافة إلى عدم قبول الأفكار التي كانت تقدمها الحكومة السورية وتعكس حقيقة العصابات الإرهابية واهداف داعميهم محلياً واقليمياً ودولياً، وهذا مايشير إلى مستوى منخفض من المسؤولية لدى المبعوثين والمنظمة الدولية الذين كانوا مبرمجين سلفاً وقبل وصولهم لسورية.

واليوم بعد أن حدد المبعوث الأممي ” ستيفان ديمستورا ” موعداً جديداً للقاء جنيف3 في الخامس وعشرين من كانون الثاني القادم تنفيذاً لموجبات القرار الدولي 2254 والمدد الزمنية التي حددها، نجد ان هناك حالة من التسرع المسبوق بعلامات الفشل والتخبط الذي تواجهه ما يُطلق عليها اسم ” المعارضة السورية ” التي عجزت حتى الآن عن تحديد وفدها الإفتراضي الذي ستعتمده الامم المتحدة وتُقدمه لمحاورة وفد الحكومة السورية الشرعية في جنيف.

وزير خارجية روسيا الاتحادية ” سيرجي لافروف ” الذي أيد موقف سورية في المشاركة في المفاوضات المزمع انعقادها في جنيف بهدف إنشاء حكومة وحدة وطنية وفق أسس غير طائفية تتحمل مسؤولية تنفيذ بقية البنود الواردة في تفاهمات فيينا ( دستور جديد – وانتخابات تشريعية ورئاسية )، كما رفض بقوة الوزير لافروف ما ينادي به بعض الأطراف المعادية لسورية والتي تدعي بأن اجتماع جنيف سيُخصص من أجل إقامة ” هيئة حكم انتقالي أو حكومة انتقالية ” مؤكداً في الوقت ذاته على حتمية ربط التسوية السياسية في سورية بتنسيق الجهود الدولية ونجاحها في مكافحة الإرهاب.

وفي إطار فشل ” المعارضة السورية ” حتى تاريخه في تسمية الوفد الذي سيفاوض باسمها في اجتماع جنيف3 نجد أن هناك حلقة ضائعة تستمر في عرقلة عربة التسوية وتتمثل في اختلاف استراتيجية اصحاب المصالح وتباين توجهاتها ولذلك لم تتمكن الدول الداعمة للإرهاب في سورية من اشغال تلك الحلقة والخروج بوفد قادر على تمثيل تطلعاتها، وهذا ما يتناقض مع متطلبات حل الأزمة السورية بين السوريين أنفسهم بعيداً عن وصفة الحل الخارجي الجاهز، وهو ما أكد عليه القرار 2254 في مبدئية ” مستقبل سورية ينبغي أن يحدد من السوريين أنفسهم على أساس الحفاظ على سيادة سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية .

حتى الآن لم يزل التغير الحاصل في القراءة الدولية لصورة الأزمة السورية وخاصة الأمريكية منها يفتقر للموضوعية والجرأة في الاعتراف العلني بانتصار الاستراتيجية السورية في مواجهة الحرب المركبة التي فرضت عليها وبالدور البطولي للجيش العربي السوري وحلفائه في مكافحة الإرهاب الدولي المنظم والقضاء عليه في مواقع عديدة، وفي مقالة نشرها  وزير خارجية الولايات المتحدة ” جون كيري ” مؤخراً بين من خلالها حجم التحدي الذي تسببت به الأزمة السورية ومنعكساتها، وبين إستراتيجية الإدارة الأمريكية في هذا المسار المتضمنة لثلاث أجزاء رئيسية هي ” أولاً تنشيط حملة مكافحة داعش في إطار التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، وثانياً العمل مع الحلفاء للحيلولة دون انتشار العنف في الشرق الأوسط..، وثالثاً التعاون مع روسيا وغيرها لتخفيض التوتر في سورية عبر المبادرة الدبلوماسية والمساعدة على الانتقال السياسي وتحييد الإرهابيين..”.

في النتيجة نستطيع التأكيد على أن مجريات المعركة على الأرض هي العامل الحاسم والأساس في تحديد طبيعة الحل السياسي وشكل ونوعية التفاهمات التي يُمكن أن يُكتب لها الحياة عبر المفاوضات المنتظرة في جنيف، وإن انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه على كافة الجبهات، تُعطي لوفد الحكومة السورية قوة تفاوضية مضافة في رسم صورة سورية المستقبل بعيداً عن الأجندة الخارجية المعادية لسورية، وتشكل بارقة أمل حقيقية لانهاء الأزمة السورية وإعادة بناء مادمرته الحرب على قاعدة البنية الوطنية الشاملة وتخليص سورية والعالم من عقدة الإرهاب المقيتة..

 

محمد عبد الكريم مصطفى