الشريط الاخباريسورية

«النمر».. جندي الرئيس المفضل ورجل لا يمكنك تجاوزه

يُطلق على العقيد سهيل حسن اسم “النمر”، ويعد واحداً من أكثر الرجال المرعبين الذين التقيتهم في حياتي، فهو جندي الرئيس بشار الأسد المفضل ويقود العمليات الميدانية في شمال حلب مباشرة.
يكتب النمر الشعر ولكنه جندي لا يعرف الرحمة. يتوقع الموت، ويصرح بعد كل بيان يُطلقه أعداؤه الإسلاميون أنه سيكون “شهيدا”. ويصف حملته الممتدة على مسافة 180 ميلا من حماة إلى حلب لرفع الحصار عن أكبر مدينة سورية بتفاصيل تقشعر لها الأبدان.
قبل البدء بالمعركة حاول إقناع رجال جبهة النصرة وداعش أو تنظيم القاعدة بالاستسلام.
“أنا نفسي حاولت إقناعهم عبر مكبر الصوت. قلت لهم أن لديهم خياراً أخر. هناك بديل عن الحرب والدمار. وبحضور رجال الدين ورجال من الحكومة أقول لهم: “يمكنكم الرحيل. يمكنكم الخروج بأمان. لا تدعوني أدمركم”. لقد خرج البعض منهم، المئات منهم ، لكنهم تآمروا علينا وهاجمونا (بعد أن استسلموا). أخبرني جنودي الحقيقة: كل من خدعني كان مصيره الموت. وأولئك الذين لم يخرجوا. لماذا أفعل هذا؟ إذا كان هناك شخص يقول لكم: “تخلوا عن عملياتكم، أخرجوا، أنا أحترم التزامي إذا قاموا بذلك حقاً”.

يعتبر النمر ورفاقه أنها معركة في وجه مؤامرة دولية. وعن أعدائه يقول: “إنهم ليسوا مثل البشر. هم مخلوقات، ليسوا بشراً”. لديهم مخدرات، ويرتدون أحزمة ناسفة ويحملون سكاكين وأسلحة متطورة جدا. أقاموا مصنعاً كاملاً لقذائف الهاون والقذائف الثقيلة على ارتفاع 120 م . لديهم تكنولوجيا متقدمة جدا وخبراء متمرسون. ولكن كل هذه المصانع تحت سيطرتنا”.

ولكن ماذا عن القصة الأخرى التي تُثار حول النمر: إنه ينثر أشعاره عبر خطوط الجبهة الأمامية لأعدائه ؟
لم يخبرنا ذلك في البداية. يستطرد في حديثه عن إيمانه بالحرية والقانون والحقيقة، ويتابع بقطعة شعرية رومانسية: “قلبي مثل الحجر. وعقلي هادئ كهدوء البحر. وما من أحد ينسى أنه عندما يرتفع الموج فإن البحر يبتلع كل شيء. ضوء القمر جميل، ولكن يمكن للضوء أن يغمر المحيطات مع انحسار وتدفق المد والجزر”.
نعم، وقال انه ينشر هذا الشعر على امتداد الخطوط الأمامية.

وفي أحاديث منفصلة معنا أكد ضباطه صحة القصة.
هل يرغب بتهدئة أعدائه في حالة نشوة الاستسلام – أو أن يحملهم الى الموت؟ ولكن حذار، فالنمر ليس أحمق. عندما أقتبس بشكل ساخر في اللغة الإنجليزية، للشاعر العراقي المتنبي، الذي قال “إذا رأيت نيوب الليث بارزة.. فلا تظنن أن الليث يبتسم”، أنا واثق من أن العقيد يرى الفخ في كلماتي. المعنى بالعربية لـ “ليون” هو”الأسد”. ولكن بسرعة البرق التقط كلماتي وأكمل الشعر باللغة العربية. نعم، يقول، لقد التقى الأسد الحقيقي مرة، وذلك خلال “مشروع عسكري” قبل أن يصبح رئيساً، ولكنه يصر على أنه “يراه” كل صباح عند الفجر. أتأمل هذا الوحي. هل فكر اللواء جوكوف بستالين كل صباح خلال الحرب العالمية الثانية؟ حسناً نعم.. ربما فعل ذلك.
ليس هناك شك في الشراسة التي استخدمها النمر في مطاردة أعدائه شمالا حتى الطريق السريع نحو حلب. أطلق عليها “معادلة قاتل أو مقتول”. يقول خسرت الجماعات المتمردة “الآلاف، ومن جانبنا ضحينا كثيرا”.
سألته إذا ما تحدث أعداؤه معه ذات وقت.
قال “لقد حاولوا” وعلت وجهه ابتسامة من يكشف سراً، خفف شاربه من وضوحها. “حاول أحدهم الدخول على دارة شبكة الاتصالات العملاتية. وقال انه الشيخ أحمد زهراوي. كنت أهاجم أكبر معقل له في ذلك الوقت. لم أرد. حاول مرة أخرى، وذكر اسمي ورتبتي العسكرية، وقلت لا. ثم قال: “من الشيخ أحمد إلى النمر، يرجى الرد. لن أقول كلمات سيئة”. لم أرد. ثم وصفني بأسوء وأقذر الكلمات. كان هذا الرجل سجيناً سابقاً في عام 2007 – وقد أُتهم باتصاله مع القاعدة. وأضاف: أتحدث إلى العدو فقط من خلال وسيط، أحد رجال الدين. عدوي يحترمني لأنني لا أكذب. فهم يعرفون إنني لا أكذب. وقال: أنا لا أعدهم بأي شيء “.
وفي الوقت الذي كان فيه جنود العقيد يقاتلون في طريقهم حول حلب باتجاه مبنى السجن الذي لا يزال في أيدي الحكومة – حيث كان قد توفي عدد كبير من السجناء بالفعل بسبب الجروح والمرض والجوع – دخل المتمردون على الشبكة الإذاعية مرة أخرى.
قالوا لي:  “الغ عملياتك الآن، خصوصاً حول السجن”. قالوا لي إنني ساقُتل. فأجبتهم: “سوف تحصلون على ما تطلبون”.
وهكذا، ومع فقدان عدد من رجاله، تحرك النمر إلى الشمال -الشرقي من حلب داخل التلال الرملية الرمادية الخطيرة للبساتين والحقول المظلمة حيث لا يزال أعداؤه ينتظرون.
وبينما كنا نتحدث، ارتفعت قذائف هاون متقطعة فوق رؤوسنا من الرجال الذين كانت تنتقل خطوطهم الأمامية كل يوم، ليصل بعدها الى 700 متر فقط من مواقع العقيد نفسه. ولا تزال طريق الإمداد الرئيسي الخلفي باتجاه الطريق السريع المتجه جنوبا من حلب هدفاً للقناصة ليلاً. يقول انه عندما يقاتل، يحاول فهم الانقسامات داخل صفوف المجموعات المسلحة – ويدعوهم “الإرهابيين”. إنهم جماعات متشرذمة، بعضهم يقاتل الميليشيات الكردية، وبعضهم الآخر هم بقايا “الجيش السوري الحر” المدعوم من الغرب. ولكنك لا تسمع الكثير عن “الجيش السوري الحر”. وأولئك الذين دعمهم أوباما وأوروبا مرة كـ “معتدلين” لا يمكن أن تجدهم في هذا الميدان.

 عُرف العقيد سهيل بشعبية منقطعة النظير بين رجاله الذين يكنون له الكثير من مشاعر الفخر. يقول انه في الأربعينات من عمره ولكن يشير زملاؤه  إلى أنه أكبر بـ 10 سنوات. لم يسبق له أن قال نكتة. إنه مطيع وموال للنظام، ورجل نظيف اليدين.

ويقول العقيد انه لم ير ابنه الوحيد منذ أربع سنوات. وأضاف “كان عمره سنتين عندما رأيته أخر مرة، الآن هو في السادسة. ولكن هذا هو بيتي، وسورية، وأقسم أنني لن أراه حتى تحقيق انتصار الخير على الشر، أو حتى أموت “.

وعندما أسأله عما إذا كان سيؤلف كتاباً ، يقول: “ان الزمن سيكتب كل شيء”، وأن “التاريخ ستكتبه دموع الشعب”.

يتحدث كثيراً عن “الاستشهاد”. الدموع والزمن والشهادة.

 

الاندبندنت- روبيرت فيسك

البعث ميديا || ترجمة: سمر السمارة