مجتمع

نغار لأننا نحب ونخشى الفقدان..

القليل من الغيرة يكفي لإثارة الحياة العاطفية، أما كثرتها فتشكل عائقاً أمام استمرارية الزوجين، هذا ما أجمعت عليه الآراء كحل وسط لمعالجة مخاوف تلك الحالة الوجدانية، إلا أن ذلك الحل يضعنا دائماً في حيرة ومأزق، يمكن لقليلها أن يولد الحزن والقلق، يدفع الشريك للشعور بخيبة الأمل وعدم الثقة، كما يمكن لكثيرها أن يكون برهان حب واهتمام، فكيف السبيل إذاً لمعرفة صحتها؟ يبقى اللغز الذي يرافق هذا الإحساس، ذلك لأنه غير مرتبط بشكل الغيرة وتكرارها فقط، بل بدرجة الألم الذي نشعر به سواء كنا الأشخاص الغيورين أو المتلقين، ولكونه مرتبطاً بنا، فإن مسؤولياتنا إذاً تكمن في معرفة كيفية فهم هذا الشعور، إذ من المحتمل أن تكون الغيرة عاملاً يقربنا أكثر من ذاتنا ويساعدنا على فهم ما نكبته داخلناً.

تضعنا الغيرة في معادلة ثلاثية الأطراف (نحن والشريك والدخيل) فندخل عندها في صراع حتى حدود العداوة أحياناً مع هذا الأخير بهدف إثبات أحقيتنا في الاحتفاظ بالمحبوب، ذلك لأننا نعتبره المسؤول الوحيد عما نعيشه، راسخ في الأذهان إذاً أن تلك المنافسة مع الدخيل مبنية على عنف ورغبة في تحطيمه، إلا أن العالم النفسي (جاك لاكال) يشدد على أن مسببها الرئيس هو التماهي به، ألا يمثل هذا الطرف الثالث في مخيلتنا لكل ما لسنا نحن عليه؟ وألا نرغب في امتلاك ما استطاع به هذا الدخيل اجتذاب شريكنا؟ (لا أتحمل -يقول لكال- أن ينظر أي شخص آخر إلى زوجتي، فمن يستطيع أن يجزم أن تلك النظرة لن تعجبها)  ويظهر الشعور بالغيرة شكوكاً في حب الشريك لنا، والتي ليست في أعماقها إلا تعبيراً عن خوفنا من عدم قدرتنا على الاستمرار باجتذاب الشريك وإبقائه قربنا.

تعكس الغيرة مدى الحب الذي نكنّه لأنفسنا من خلال حب الآخر لنا، فالشعور بأنه مرغوب بنا –في العلاقة العاطفية- يزيد من ثقتنا بنفسنا وتقديرنا لذاتنا، وبعكسها تنعكس النتائج، لذلك فانجذاب الشريك لطرف ثالث يزيد الخوف والغضب ويضعنا في حالة من عدم الأمان، إذ كيف لنا ألا نخاف على المكانة التي نحتلّها في حياة الآخر؟ وكيف لنا التأكد من استمرار كوننا محط رغبة الشريك وحبه؟.

الخوف من الفقدان إذا هو السبب الرئيس للغيرة، فلولا خشيتنا من خسارة ما نمتلكه لما كان هناك أي حاجة بالغيرة، وذلك كوننا كنا نمتلك كل ما نريده، وهكذا نجد أن الغيرة في الواقع تعرف بأنها اكتساب مكانة أو أهمية في حياة الشريك.

نعم.. نغار لأننا نحب ونخشى الفقدان.

 

د.رحيم هادي الشمخي