الشريط الاخباريثقافة وفن

الفنانة التشكيلية رفاه حمام.. «رفاه وردة من ضوء« هكذا قُدمت إلى لبنان

في روضتها ألوان الحياة، وفي بعض الهنيهات تجد نفسك طيراً محلقاً بين أبعاد اللوحات، فكل منها حكاية في السماء، وفي لحظات صادقة جديدة ستشعر بحالتي الصلاة والتأمل العميقتين، فالزهور فيها تغدق عليك بروائح فوّاحة فتنسى أنّها منسوجة من زيت ولون وتصدّق أنّها بوابة للعبور إلى جنّة سماويّة، تستقبلك فيها هالات النّور وأصوات جريان الماء العذب، وفي لوحات كثيرة وجدت المرأة عنصر أساسي يقطن بقوة في ريشة الفنّانة التشكيلية رفاه حمام، ولدى سؤالي العفوي لها لماذا ترسمين المرأة؟ فقالت لي بسرور: المرأة جديرة بأنّ ترسم ليس فقط من الرجل بل من المرأة أيضاً…
الرسومات الأولى في حياة الفنانة التشكيلية رفاه حمام كانت بعمر الثلاث سنوات، وقد حملت عناصر متكاملة، احتوت الريف والنهر والشجر وغير ذلك، وكانت الرسوم تذهل من يراها كونها تترافق مع عمرٍ مبكر، والآنسة في الحضانة حينها قالت للمديرة والأساتذة: هناك طفلة ترسم بغرابة، ولكنّهم لم يصدّقوها لولا أنّ رفاه أعادت الرسم من جديد أمامهم.
في مرحلة الدراسة الابتدائية كانت مكرّمة كرائدة بالطلائع على مستوى القطر، وفي المرحلة الإعدادية التحقت في مركز صبحي شعيب في حمص، لتصقل موهبتها في دورات مستمرة في كلّ صيف.
بالعودة إلى البيئة التي احتوت الفنانة التشكيلية رفاه حمام سنجد في ذاكرتها البيت الذي تربت فيه، وهو بيت عريق فيه معالم التراث القديم، كان جميلاً كالبيوت السورية الواسعة والكبيرة، وكانت تلحق بنور الشمس العابر من خلال نوافذه طيلة ساعات النهار، وهذه الحالة كانت مثيرة بالنسبة لها جداً، أمّا والدتها فكانت مديرة مدرسة ومهامها متنوعة وكانت فنانتنا تلاحظ الوسائل التي تصنعها الأمّ لتلاميذ المدرسة، وكانت ترسم بالإضافة إلى ذلك على الجرر والفخار والوسائد بطريقة ملفتة للانتباه. وأيضاً خالها الفنان (عدنان حمام) كان له ترتيب على مستوى العالم من منظمة اليونسكو مكرماً في العام 2002 في مجال الرسم. والجدّة أيضاً كانت ترسم بالخيوط الملونة والمزركشة.
المعرض الأوّل وُلد أثناء فترة الدراسة الجامعية إذّ أنّ فنانتنا درست في كليّة العلوم الطبيعية في جامعة دمشق، وساعدتها هذه الدراسة في الإبحار أكثر في الصورة والنظر بدقّة في خلايا الكائنات وتفاصيل الحياة المتنوعة، وهي تضيف بأنّ رؤيتها للخلايا الحيّة وسّعت الخيال العلمي لديها … والمعرض الأوّل جاء برعاية المحافظة في حمص عام 1990 وأُقيم في مركز صبحي شعيب هناك، أمّا ردّة فعل العالم فطبيعية وجميلة وكأنّها زاولت عرض الرسوم منذ زمن فكانت خطوة ناجحة ومؤثرة في الحياة الفنية التشكيلية السوريّة، وكان من المشاركين الفنانون بسام جبيّلي، وعوني دروبي، وشاكر مطلق، وعبد القادر عزوز، وعبد الله مراد، وغيرهم.
لم يكن المعرض الأوّل سوى خطوة تمهيدية لولادة معارض متجددة فجاء أوّلها معرض أقيم في العاصمة دمشق وحمل عنوان “المرأة السورية في الفن التشكيلي”، وتوالت بعدها المعارض الفنية التي حملت بصمة مميّزة لرفاه حمام حملت بين الماضي والمستقبل لتنطق العبارات التي لن تخطر على البال إلا مع رؤيتها فتفسّر كينونتها بصدق وروحانية ودراسة تفاصيل الجمال لا سيّما جمال الأنثى وعبيرها، فوقفنا على 30 معرضاً فنياً في سورية ( كانت بين حمص ودمشق وتدمر) و30 معرضاً في لبنان الشقيق ابتداءاً من العام  1998 فكانت الفنانة رفاه حمام أوّل شخصية موفدة من الجمهورية العربيّة السوريّة إلى لبنان بالتعاون بين وزارتي السياحة في البلدين، وجاء أوّل معرض فني قدمته إلى لبنان كتحفة حملت عنوان “المرأة بين الحضارة والحياة”.
على مستوى الدول العربية الأخرى تلقت الفنانة رفاه دعوة رسمية في 2005 من قصر الإمارات، ولكن ولظروف خاصة تخصّ البلد هناك أجلت المشاريع إلى يومنا هذا، وكانت قد جهزت لوحات خاصة للمعرض هناك إلى الآن لم تعرض في أي مكان، وتخص المكان والبيئة الإماراتيان.
وعندما سألنا الفنانة رفاه لماذا أحبّت الرسم فقالت: لأنّه يعبّر عن الذات وعن الوجود، فهو الرئة التي أتنفس بها، وبه أجسّد أحلامي في لوحات سريالية…
التكريمات في حياة فنانتنا رفاه حمام هي وقفة لم تولها الأهميّة لدى حديثنا معها ولكن استطعنا معرفة بعضها وأهمّها كان في قصر الأونيسكو عام 2002 في لبنان ضمن فاعلية مواسم الفرح برعاية الوزير عبد الرحيم مراد الذي كان وزيراً للتربية حينها.
لكن المحطّة الأهمّ التي ذكرتها لنا باهتمام فهي العلاقة مع الفنان الكبير منصور الرحباني فتقول فنانتنا: منصور الرحباني هو من قدّمني إلى لبنان، وهو من قال عني وردة من ضوء وكان ذلك عام 1998 فكان داعماً لي وواثقاً بما سأضيفه للحياة الفنية التشكيلية اللبنانية… ونصيحة منصور الرحباني التي ترددها دائماً والتي قالها لها هي: إنّ الإنسان يجب أنّ يتعب حتى يصل، حتى لو استراح استراحة المحارب، فطالما لديه نفس يجب عليه أنّ يعمل.
دخلت الفنانة رفاه مدارس عديدة وعملت بها، لكنّها ترفض أنّ تتبع مدرسة واحدة منها، فهي تقول: إنّ الموضوع إبداعي يتبع الخيال والخيال لا محدودية له… تطوّرت الألوان عندها من الواقعي إلى السريالية مروراً بالمدارس كلّها ومنها الشعبي … يعج بيتها باللوحات الفريدة، ولكلّ لوحة حكاية، وهي شخصياً تحبّها كلّها، فهم انعكاس لدواخلها، على حدّ قولها، ومزجاً مع الظروف الخارجية، ولذلك عندما تنظر إليهم ترى رفاه حمام فيها. وتقول رفاه إنّها استفادت كثيراً من كلّ الفنانين الذين قابلتهم وقد أضافوا لها بالتأكيد، فأخذت منهم حكمة الحياة، وكانت تتقبل كلّ الملاحظات، ففنها من دون قيود ولا مدرسة خاصة تتبعها، والفنّ لديّها جاء بالفطرة.
مؤخراً حدث تطور في مستوى جديد من الفنّ الحياتي، لكنّه يحمل التشابه والاختلاف معاً، وهو مجال العلاج بالألوان الطاقي، فمنذ ثلاث سنوات اكتشفت رفاه أنّها ترسم لوحات تحمل منحى طاقي يعالج من ينظر إلى الرسمة ويتأمل فيها، ولذلك سافرت إلى الهند للبحث عن الموضوع وسرّه، فاهتدت إلى مركز دراسة الطاقة، وأخذت هناك ماجستير بعلم الطاقة الحيوية، وصارت اللوحات لديّها تحمل أبعاد غير محدودة روحيّة وكونيّة ونفسيّة، مما زاد برصيدها الفني كطريقة متجددة في الرسم التشكيلي الذي يحمل قيمة زمنية وفائدة للبشرية.
اللوموند الفرنسية كتبت عنها وجرائد وصحف منها تشرين والثورة والنهار والسفير وأسرار الشرق الأوسط وغيرها الكثير.
وعن واقع الفنّ في سورية تضيف رفاه بأنّه هناك الناشئ الجميل، ولو أن المرحلة الحالية صعبة، لكنّه حصيلة نتاج تفاعل مع الواقع، وكلّ فنان يعكس الواقع المعاش من حوله، ويأتي دور الخيال والألوان، وينقل الموضوع بصدق، والآن الفنّ في سورية حزين الشأن.
واليوم هي ترسم لوحات حزينة ألوانها توحي بالمشاعر الحزينة، ولكن في جانب آخر من المرسم هناك لوحات ترسمها وفي مضامينها حالة من التفاؤل، فاللوحة تأخذ طريقها وتتحكم بها دون أنّ تستطيع الهروب منها، وأحياناً ترى ألواذن غير منظورة للعين المادية فتقوم بالتقاطها وتجسيدها رسماً في اللوحة، وهذا هو حالها اليوم فتشتغل بالرسم كثيراً وتعيش بين الألوان وفراشي الرسم.
أمّا حلمها المستقبلي فهو أنّ تكمل معرضها الشفائي العلاجي، فاللوحة خطيرة التأثير على المتلقي، وتحمل شيفرة تزخم بالمعلومات، فإمّا أن يرتاح المتلقي أو ينزعج، ولذلك تعمد الفنانة رفاه حمام إلى رسم لوحاتها بتفائل وحيوية ومحبّة وعشق دون أنّ تحمّل لوحاتها بالتعب أو الحزن أو المشاعر الكئيبة، وقريباً يكتمل هذا المعرض وهو من النوع الخاص الشفائي الفريد على مستوى الوطن العربي إذا لم نقل على مستوى العالم.

 

البعث ميديا – عامر فؤاد عامر