ثقافة وفن

الفن التشكيلي النسوي السوري.. حضور وتميز

حققت المرأة السورية حضوراً مميزاً في الوسط الثقافي والفكري في سورية منذ ما قبل الاستقلال وكان لها دور بارز إلى جانب الرجل في تشكيل وتكوين الشخصية الثقافية السورية لكن بعد الاستقلال خاضت المرأة السورية في مجالات لم تكن متاحة لها كالفن التشكيلي حيث بدأت الساحة الفنية تشهد أسماء محددة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لتتوسع الدائرة لاحقا وتضم مئات الفنانات اللواتي حققن حضورا هاما ولافتا خلال العقود الأخيرة.

وبما أن هناك الكثير من التسميات التي اطلقت على أصناف الفنون والآداب النسوية وصنفتها ضمن الإطار النسوي لإعطائها خصوصية معينة ضمن الانتاج الفني والأدبي للفنانين والأدباء كان لا بد من البحث في هذا الموضوع.

وحول الوجود النسائي في الساحة التشكيلية السورية قال الدكتور حيدر يازجي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين.. إن المرأة كإنسان لها رؤيتها الفلسفية الخاصة تجاه الحياة لذلك لا يمنع أن يتاح للمرأة كفنانة مساحة خاصة لتقدم إبداعها برؤيتها الأنثوية.

وأضاف.. أن العمل الفني التشكيلي لا يفرق من حيث التقييم بين عمل رجل أو أنثى إنما المرأة تمتلك حساسية تميز عملها وتعطيه سمة أنثوية جميلة.

وعبر يازجي عن عدم تحيزه للعنصر النسائي في الفن ولكنه يعتبر أن المؤسسة الثقافية مسؤولة عن تأمين بعض التسهيلات لتتمكن الفنانات من تقديم نتاجهن الابداعي مبيناً أن التشجيع للفنانات يساهم في خلق حالة فنية ومساهمة أنثوية مهمة ترفد الحركة التشكيلية بشكل عام.

وأشار يازجي إلى أن الظروف الصعبة التي تحيط بالمرأة من حيث التزاماتها الاجتماعية الكثيرة هي التي تجبرها على الابتعاد أو الإقلال من العمل وأن وصول الفنانة الأنثى إلى مستوى فني متطور يترافق في الغالب على حساب جوانب حياتية أخرى كعدم الزواج أو غيرها ومع ذلك هناك الكثير من الفنانات المتميزات.

وقال إن هناك جيلا جديدا مهما من الفنانات التشكيلات السوريات سواء من خريجات الفنون الجميلة أو مراكز الفنون التابعة لوزارة الثقافة مضيفا أنه في الماضي لم يكن هناك سوى عدة أسماء معروفة من الفنانات في الساحة التشكيلية كليلى نصير وأسماء فيومي وزهيرة الرز بينما اليوم هناك أسماء كثيرة لها أسلوبها الخاص ووجودها المهم في التشكيل السوري.

بدورها قالت التشكيلية جميلة كاترينا.. إن هناك فنا تشكيليا نسائيا وأنا أشارك في معرض سنوي خاص بالفنانات السوريات يقام في الشهر الثالث من كل عام.

وأضافت.. أن حياة الفنانة المرأة بشكل عام مليئة بالصعوبات الحياتية كونها المسؤول الأول عن الأسرة وشؤونها داخل البيت ما يستهلك الكثير من جهدها ووقتها فلا يتبقى للعمل الفني الإبداعي إلا القليل من الوقت.

وأوضحت كاترينا أنها تعمل بكل ما تملك من طاقة لتستمر بالوجود على الساحة التشكيلية إلى جانب محاولات التطور وتقديم لوحة نسائية مهمة ومميزة مبينة أن الفنانة السورية بحاجة للدعم وتوفير الفرصة لها للوجود وتقديم ما لديها كي تثبت ذاتها في الوسط الفني السوري.

النحاتة رنا حسين قالت.. إن الفن لا يفرق بين امرأة أو رجل من حيث المبادئ الفنية والقيم الجمالية أو الأساليب والتقنيات إنما الرؤية الفنية هي التي تختلف فالأنثى تملك حسا تعبيريا أكثر في معالجتها للمواضيع التي تقدمها وأغلبها تكون مرتبطة بكينونتها الأنثوية.

وأضافت.. أن هناك كثيرات من الفنانات التشكيليات يمتلكن جرأة كبيرة في المواضيع والتقنيات قد لا تكون موجودة لدى الكثير من الفنانين الرجال فضلا عن وجود محاولات لتخصيص مساحة خاصة لما يسمى فن نسائي كمعرض الفنانات السوريات الذي يقام سنوياً ويقدم تجارب مهمة في هذا الإطار.

وأشارت حسين إلى أن الفنانة السورية تحاول جاهدة أن تحقق وجودا لها وهذا يبدو واضحاً مع عدة أسماء حفرت لنفسها مكاناً مهماً في التشكيل السوري مبينة أن أكثر ما يحد دور الفنانة المرأة في تقديم ما لديها هو إرادتها الشخصية ورغبتها بالعمل.

وأشار التشكيلي عبد المعطي أبو زيد رئيس اتحاد التشكيليين الفلسطينيين إلى أنه لا توجد فوارق بين العمل الفني الذي تنتجه المرأة والعمل الفني الذي ينتجه الرجل فالفنان لا يرتبط بجنس وما يميز الفنانة المرأة عن الفنان الرجل هو اعتناؤها بالمنمنمات والتفاصيل الصغيرة المليئة بها حياتها اليومية.

وقال إن الفنانة المرأة تمتلك القدرة الأكبر على تقديم عوالم المرأة من الفنان الرجل وأن لكل فنان مشروعه وادواته وفكره سواء أكان رجلا أم امرأة.

وأضاف..ان الفنان الحقيقي يستطيع تقديم فن مهم ويأخذ مكانه في الوسط الفني التشكيلي بغض النظر عن كونه إمرأة أو رجلا.

من جهتها قالت التشكيلية صريحة شاهين إن الفنانة تمتلك حساسية تميزها عن الفنان الرجل والعمل الفني بمقوماته وأهميته لا يأتي من جنس الذي أبدعه إنما من محاكاته للقيمة الفنية الحقيقية وقدرته على الوصول للمشاهد.

وأضافت.. أن الفنانات التشكيليات يحاولن الوجود في الساحة التشكيلية ولكن بخجل وتواضع وهذا يعود للظروف الحياتية التي تحيط بالمرأة مبينة أن الفنان سواء أكان رجلا أم امرأة لا يمكن لأي شيء أن يحد من عطائه إن أراد تقديم ما لديه.

وبينت شاهين أن قلة من الفنانات السوريات استطعن الوصول إلى الصف الأول في الساحة التشكيلية السورية وأن هناك فنانات يحاولن تطوير ادواتهن الفنية لتطوير نتاجهن وهذا ينعكس في النهاية على تطوير الحركة التشكيلية السورية عموماً.

وأشارت التشكيلية ليلى رزوق إلى أن الفنانة لا تملك الوقت الكافي لعملها الابداعي كالرجل الذي يكون متفرغا للعمل الفني في أغلب الأحيان مما يتيح له الظهور أكثر والوصول للجمهور مبينة أن المرأة مكبلة في كل أنحاء العالم بسبب متطلبات الحياة الصعبة التي تطلب منها أكثر من الرجل.

وقالت رزوق إن المرأة في سورية استطاعت الوجود في كل مناحي الحياة وهي مساوية للرجل أمام القانون إلا أن هناك بعض العادات الاجتماعية التي تحد من عملها وإبداعها ولكن كل فنانة تمتلك إرادة العمل ستتمكن من تقديم ما لديها والوصول إلى ما تصبو إليه.

واعتبرت التشكيلية غادة حداد أن الفن ليس له علاقة بجنس الفنان فمن الممكن إيجاد الكثير من الرقة والحساسية في أعمال الفنانين الرجال وبالعكس قد تحمل أعمال الفنانات الكثير من القسوة والخشونة.

وأضافت..انها تفتخر بانتمائها للحركة التشكيلية السورية إلى جانب اسماء مميزة من أهمهن ليلى نصير وغيرها مبينة أن الفنانات السوريات لهن حضور مهم في الساحة الفنية وهذا يتكامل مع وضع المرأة في وطننا سورية حيث توجد في كل مناحي العمل والحياة.

ورأت التشكيلية لينا ديب أن الهاجس الفني للفنان ينبع من ذاتيته وفكره ويعبر عن المكنونات الداخلية سواء للمراة أو الرجل مضيفة ان قيمة العمل الفني ترتبط بمدى غنى وثراء فكر الفنان أياً كان جنسه.

النحاتة مفيدة ديوب قالت.. إن الفن فكر انساني يقوم على الصدق والإخلاص لتحقيق أهداف انسانية و حضارية تتلاقى وتتطابق مع العقل والإحساس مبينة أن حضارتنا المعاصرة غنية بالفنون المتنوعة ومنها ما يدعى الفنون النسوية التي تعطي شكلا فنيا ووظيفيا وتزيينيا للأمكنة والحياة اليومية.

وأضافت.. ان المرأة عندما تكون فنانة تشكيلية تعمل بفطرتها الأنثوية على تقديم العمل الفني بانسجام لوني وتناسق في التكوين بسلاسة ورشاقة مما يظهر للمشاهد الحس الأنثوي في هذا العمل وبالتالي ينسب العمل الفني للعنصر النسائي.

وأكدت الفنانة ديوب أن للفن الأنثوي قدرة على جذب العين بذلك السحر النادر الجميل الذي وضعته أنامل الفنانة التشكيلية بكل عناية وعفوية فهي تعنى بالتفاصيل وتضيف بحسها لمستها الخاصة.

وقالت ديوب إن الفن السليم لا يعرف رجلا أو امرأة إنما يأخذ قيمته الفنية والجمالية من خلال ايصال دفقة شعورية مغلفة بالمتعة التشكيلية التي يحس بها الفنان في لحظة من لحظات الرؤية فيجسدها وتكون عملا فنيا مشيرة إلى أن المرأة تمتلك قدرة استثنائية لتحويل المعاناة والآلام إلى أعمال فنية.

وأضافت.. أن عدد الفنانات في الساحة التشكيلية السورية أقل من عدد الفنانين الرجال وعلى الرغم من ذلك استطاعت الفنانة المرأة أن تسجل حضورا نوعيا وشخصية فنية معبرة عن نفسها بفرادة وتميز ومنهن التشكيليات إقبال قارصلي -ليلى نصير -أسماء فيومي وهن من الرواد في الفن التشكيلي.

وعبرت الفنانة عن أهمية وجود المرأة في كل مناحي الحياة مع أهمية مهمتها الأولى كأم وزوجة فهي إنسان يتفاعل مع محيطه الاجتماعي ويساهم في تطوره ومعالجة قضاياه.

وقال الناقد التشكيلي غازي عانا إن تسمية الفن التشكيلي النسائي خاطئة ولا تعبر عن العمل الفني كونه لا فرق بين العملين إنما يأتي التمايز بعد معرفة الفنان الذي أبدع العمل وهنا يتم إسقاط الحالة الإنسانية الشعورية على العمل سواء أكانت ذكورية أم أنثوية.

وأضاف..ان وجود العنصر النسائي في الحركة التشكيلية السورية امر غير جديد ويعود لفترة الستينيات ومنهن الفنانات إقبال قارصلي- ليلى نصير وأسماء فيومي وغيرهن وصولاً لأسماء مهمة مثل الفنانة سارة شما وعدة فنانات شابات متميزات مما يؤكد وجود الفنانة إلى جانب الفنان في الحركة التشكيلية السورية.

وأشار عانا إلى أن المستوى الفني الذي تقدم الفنانة السورية لا يقل عن المستوى الفني الذي يقدمه الفنان الرجل مبيناً أن هناك الكثيرات من الفنانات يحتللن مواقع متقدمة في التشكيل السوري حالياً ويعتبرن من فناني الصف الأول.

من جهته قال التشكيلي عبد الرحمن مهنا.. بما ان الفن هو تعبير عن حالة انسانية متطورة في فكر الإنسان وأحلامه وعوالمه الخاصة وبما ان خصوصية المرأة تختلف عن خصوصية الرجل لذلك من الطبيعي أن تأتي الأفكار والألوان والأشكال وطريقة معالجة اللوحة التي أبدعها الفنان من حيث العمق والثقافة التي يحملها كل من المرأة والرجل.

وأضاف.. إذا كانت الفنانة المرأة تتعامل مع الأشياء المنظورة بحس عفوي صادق وقصير المدى احياناً فهي تتعاطف بأريحية وبسرعة أكبر مع الأشياء التي تريد التعامل معها لذلك تأتي ألوانها أكثر جمالية ورومانسية من الفنان الرجل.

وتابع..أما الفنان الرجل فهو ينظر إلى الاشياء بمنظور سياسي واجتماعي وفلسفي وفقا للمراحل العمرية التي يعيشها ومدى فهمه لعمق الاشياء فهو يربطها معا ليعبر باللون والشكل والتكوين عن الدلالات الفكرية النفسية التي تعتمل في ذاته.

وبالنظر لحجم الآراء المتكونة لدى الوسط التشكيلي حول فكرة الفن التشكيلي النسائي وخصوصيته يتضح جلياً أن الحضور الأنثوي في الفن التشكيلي يتوازى باطراد مع وجود المرأة عموماً في شتى مجالات العمل والإبداع في مجتمعنا ويفوقها أهمية كون المرأة التشكيلية تعبر عن ثقافة وموهبة وحضور قوي في المجتمع وهنا تأتي خصوصية المرأة لا بأنها تقدم فنا أنثويا إنما كونها استطاعت أن تتحرر من قيود قوية تحد من إبداع الإنسان وتقلل من موهبته وإمكاناته فهي مشكلة تفكير مجتمع بأهلية المرأة وقدرتها الإبداعية قبل أن تكون مسألة فنية أو نقدية أو فكرية وهذه المشكلة تستدعي الحل والعمل عليها في عقول النساء في البداية ومن ثم الرجال.

البعث ميديا – سانا