مساحة حرة

كي يكون عاماً مختلفاً

 

أحمد حسن

على بعد أيام قليلة من “جنيف2″، وكما كان متوقعاً، بدأ العام الجديد على وقع استعار رياح جنون الإرهاب التكفيري الذي انتهى به العام السابق، وهي رياح لم تكتف بالعصف في أرجاء منطقتنا فقط، بل إن آثارها لفحت بلداً كبيراً كروسيا ذاتها، كما إنها مرشحة للتمدد أكثر وأكثر، باعتبار أن الأصابع التي تسيرها ارتأت أن سياسة الهروب إلى الأمام هي الطريق الوحيد المتبقي لتحقيق، أو بالأحرى لإنقاذ ما تبقى من رهانات مجنونة لورثة نظرية إما معنا أو ضدنا لصاحبيها جورج دبليو بوش ونظيره أسامة بن لادن.

بيد أن الورثة الجدد، وبحكم مسيرة التطور..!!، تفوقوا على أسلافهم، سواء بحدة الرهان الإقصائي الذي يعتنقونه، أم بغياب أي أثر لفكرة السياسة عن وعيهم، هذا إذا كان لديهم منه شيئاً، وهو الأمر الذي يفسر عدم تورّعهم حتى عن فتح أبواب صندوق “باندورا” على مصراعيها لتخرج شياطين الفتنة المذهبية والحقد الأعمى ضاربة خبط عشواء، الأمر الذي يفسر بدوره همجية المجرمين وعبثية ارتكاباتهم ضد المدنيين الأبرياء في ساحات الدول التي تنعم “بالمكرمات الملكية” المتتالية. لكن العالم يتغيّر، وتلك طبيعة حركة التاريخ وحقيقة وقائع المستجدات المتلاحقة على الأرض، فعالم القطب الواحد يوضب حقائبه مفسحاً المجال لعالم التسويات المفروضة، والاعترافات العلنية بتغير الأحجام والأدوار، دون أن يعني هذا أن سدنة الهيكل القديم لم يعودوا بحاجة للقتلة، فذلك دينهم وديدنهم أولاً، أما ثانياً فإن اقتسام مناطق النفوذ والحلول النهائية للقضايا العالقة-وأخطرها قضية فلسطين التي يساهم عرب الردة بملياراتهم وتكفيرييهم في حرف النظر عنها وتسليمها لجلادها لمرة أخرى، وقد تكون الأخيرة- لم تستقر على سكتها المناسبة بعد.

بهذا الإطار المتغيّر، يمكن لنا أن نفهم ما يحدث مع بعض “الداعشيين” -سواء من أصحاب اللحى والشوارب المحفوفة، أو من أصحاب ربطات الأعناق والياقات المنشّاة- على حد وصف “جان عزيز”، وإذا كان ما يحدث لأصحاب اللحى منهم على الأرض لا يحتاج إلى تفسير، فإن ما يعانيه أصحاب الياقات من حشرجات الموت المعنوي الأخيرة ومثالهم الأوضح أردوغان، تفصح عن صورة المرحلة المقبلة، فالرجل أصبح، بنظر غالبية كبرى من الشعب التركي وشعوب المنطقة والعالم راع رسمي للإرهاب و”مسؤول مباشرة عن جرائم الإرهابيين في سورية”، وفي هذا المجال يجب أن نقرأ بتمعن سر توقيت كشف العلاقة القديمة بين ابنه وحكومته من جهة وإرهابيي “القاعدة” من جهة أخرى، وخصوصاً الإرهابي “ياسين القاضي” المسجل على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب منذ عام 2001، وهو أمر يشير بدوره إلى نفاق الإدارة الأمريكية ذاتها التي غضت النظر عن هذه العلاقة طول الفترة الماضية، برغم معرفة أجهزتها الأمنية بها وبغيرها من علاقات أتباعها مع “القاعدة” ورجالها والتي تجري بصورة رسمية وعلنية أيضاً.

إذاً فإن المسار العالمي، والصمود السوري أحد أسبابه الهامة وتلك حقيقة لا ينكرها إلا مكابر، بدأ ينحو بوتيرة متصاعدة باتجاه محاربة الإرهاب، والدلائل لم تعد تخفى على أحد، فواشنطن تساند حرب العراق عليه، ونيران حقد الإرهابيين بدأت تأكل بعضها بعضاً في سورية، التي بدأت خطوط التواصل الغربية والعربية تفتح معها من جديد لمواجهة هذا الشبح الذي يهدد العالم كله.

لكن وكي يكون عاماً مختلفاً بحق، لا بد من الوعي بحقيقة الإرهاب ومصدره، لأنه ليس سلاحاً ودماء فقط، بل هو وقبل كل شيء آخر ثقافة بالأساس، ثقافة أحادية ظلامية كافرة ومكفّرة، وإذا كانت مواجهة السلاح مهمة الجيوش، فإن مواجهة الثقافة الظلامية لا تكون إلا بجنسها، أي بالثقافة ولكنها الثقافة العقلانية الإنسانية المتنورة، وتلك مسؤولية الجميع.

 البعث