مساحة حرة

إنتهاء جنيف3 ..وعودة الوفود إلى ديارها ؟؟

  بعد أن أُغلقت أبواب غرف التفاوض في جنيف ، وتم إعلان إنتهاء الجولة الثانية من مؤتمر جنيف2 ، وقدم الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي اعتذاره من الشعب السوري لعجزه عن تحقيق شيء يُريح الشعب السوري ، وعودة الوفود إلى ديارها في إشارة إلى أهمية تلك العبارة التي تحمل مدلولات ومعاني لما يُمثله كل طرف من الأطراف ، حيث عاد الوفد الحكومي الرسمي إلى أرض الوطن لكي يضع القيادة والشعب السوري بصورة مجريات العملية التفاوضية ، والنتائج التي وصلت إليها مع وفد ائتلاف ما يُسمى بالمعارضة ، السؤال الهام هنا أين هي ديار الوفد الآخر ؟ في الحقيقة المرة التي لا يجوز القفز فوقها من قبل الطرف الآخر هي بأن أعضاء وفد ائتلاف ما يُسمى بالمعارضة ذهبوا إلى أحضان أسيادهم ومشغليهم في العواصم الاجنبية والعربية التي ترعى الحرب على سورية وتدعم الأعمال الإرهابية على الأرض السورية ، من أجل الحصول على تعليمات جديدة قبل بدء الجولة الثالثة التي لم يتم تحديد موعدها حتى الآن ، السؤال الآخر الذي يفرض ذاته هو : ما هي ردة الفعل الأمريكية المباشرة على الفشل الذي حصدته جراء وعي الوفد السوري الرسمي للكمائن التي حضرتها في جنيف ؟ وما هي انعكاسات التصعيد الإعلامي الذي أعقب انتهاء الجولة التفاوضية الثانية ؟

  يؤكد المراقبون لوقائع جلسات التفاوض على ما قاله وزير الخارجية السيد وليد المعلم : بأن المؤتر لم يفشل نتيجة وعي الوفد الحكومي لدوره ولمهمته وممارسته لمسؤولياته الوطنية والأخلاقية ، وإن الموافقة على جدول الأعمال الذي اقترحه الموفد الدولي ” الإبراهيمي ” للجلسة القادمة هو انتصار دبلوماسي أحرج الولايات المتحدة وحلفائها في المعسكر المعادي لسورية ، وسحب الذرائع التي كانت تستهدف استفزاز الوفد السوري وحضه على الانسحاب من جلسات التفاوض ، وتحميل الدولة السورية مسؤولية فشل الحل السلمي ، والانتقال إلى المرحلة الثانية من العدوان على سورية ، والعودة مجدداً إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار ظالم بحق الحكومة السورية وشعبها ، وفرض الحل التي تراه الولايات المتحدة بأنه يُحقق مصالحها على ضوء ما حصل في أفغانستان وغيرها من الدول التي طالتها يد التخريب الأمريكية الغادرة ، تحت ستار معالجة الأوضاع الإنسانية وضرورة إنشاء ممرات لتزويد مناطق المسلحين بالغذاء والدواء والسلاح ، وإن خبرة وحنكة الوفد السوري الرسمي فوتت الفرصة على الأعداء ، وحشرتهم في الزاوية الصعبة من خلال فرضها بند مكافحة الإرهاب كأولوية في جدول الأعمال الذي وافق عليه الوفد الحكومي ، واعتبره إنجاز جيد يُمكن البناء عليه في الجولة الثالثة لمؤتمر جنيف2 فيما لو تمت الدعوة إليها ، وهذا ما دعى الإدارة الأمريكية للشعور بالإخفاق وخيبة الأمل والقيام بالتصعيد الإعلامي المعادي لسورية والعودة إلى لهجة التهديد بتزويد العصابات الإرهابية بأسلحة متطورة وفاعلة من أجل تغيير الواقع الميداني على الأرض انطلاقاً من المنطقة الجنوبية والدور الجديد للأردن .

   إن التصريحات المتناقضة الصادرة عن الإدارة الأمريكية هي مؤشر للفشل الذي وصلت إليه سياساتها الشرق أوسطية ، حيث تقر بدعم المعارضة ” المعتدلة ” من جهة ، ويعود المتحدث باسم البيت الأبيض للقول: ”  بأن وجود التنظيمات الإرهابية المتطرفة في سورية هو أكبر قلق لدينا ..” ، في الوقت الذي أثبتت فيه الدراسات والتقارير الاستخباراتية بأن مراكز الدعم الأساسية لهذه التنظيمات الإرهابية وفروعها ( القاعدة – وجبهة النصرة – وداعش – والجبهة الإسلامية وغيرها ) مقرها الأساسي في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا ، ومكاتب الارتباط في كل من السعودية وقطر ولبنان ، و أشارت تقارير من هيئة الأركان الروسية بأن ما بين 110 – 120 ألف مقاتل أجنبي يُقاتلون على الأراضي السورية وتديرهم وكالات رسمية ، وإن عودتهم إلى بلدانهم ستكون مصدر خطر كبير على أمن ومستقبل هذه البلدان .

  لقد استطاع الوفد الحكومي السوري إلى جنيف  تحقيق إنجازات كبيرة ، كان أولها تجريد الوفد الآخر من إنتمائه الوطني وإظهاره على حقيقته كأداة تعمل لصالح قوى خارجية تُشغله و تُحركه وفق أجندة مرسومة سلفاً تخدم مصالها الذاتية ، كما تمكن الوفد الحكومي من تعرية وفد ائتلاف ما يُسمى بالمعارضة من كل الأسلحة البالية التي كان يتسلح بها في معركة سياسية أكبر من مستوى وعيه ونضجه السياسي رغم كل الدعم الفني الذي كانت تُقدمه له مكاتب الخبرة الغربية المرافقة له ، وهذا ما يُثبت بأن الإرادة الوطنية تنمو مع الإنسان من خلال تمسكه بالأرض وتفاعله معها وحبه لها والاستبسال في الدفاع عنها ، ولا تُكتسب بالشعارات والمنابر الإعلامية المأجورة ، لذلك نجح الوفد السوري الرسمي بالدفاع عن الثوابت الوطنية ممثلاً حقيقياً عن إرادة الشعب السوري ، في الوقت الذي فشل فيه الآخر من تحقيق أية نتائج إيجابية تخدم مصالح العواصم التي عادوا إليها .

  محمد عبد الكريم مصطفى

 Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com

البعث ميديا