line1مساحة حرة

حيوية الحزب: المراجعة والتجديد

بقلم الرفيق الدكتور عبد اللطيف عمران ||

لا شك في أن الحياة الحزبية الوطنية والقومية في سورية وفي الأقطار العربية هي اليوم في معترك تاريخي ومصيري، تجابه تحديات عديدة تنظيمية وفكرية ومجتمعية، مجابهة تتحدد بنتائجها صوَر المستقبل الوطني والعربي أمام الأخطار الجسيمة المحدقة والتي ينجم أغلبها عن التطرف والإرهاب المدعومين من الرجعية العربية والغرب والصهيونية.
ولحزب البعث العربي الاشتراكي تاريخه النضالي الإيجابي وخبرته الطويلة المجدية في هكذا تحديات ومجابهات منذ حركة الاستقلال والتحرر العربية في الأربعينات إلى اليوم. وعلى الرغم من الاستهدافات العديدة والمتنوعة التي يتعرض لها الحزب من الصديق والعدو إلا أنه -وكعادته- قادر على تحقيق الانتصار بسبب انطلاقه -وإيمانه- الدائم والعميق من هموم جماهير الشعب وقضايا الأمة المصيرية، فهذه الاستهدافات ليست طارئة.
وإذا كان دور الحزب في التصدي للحرب الإرهابية الكبرى التي تُشنّ على سورية منذ ثلاث سنوات دوراً مركباً يجمع بين «السياسي» و«الاجتماعي» و«الفكري» و«الميداني»، فإن لدوره الفكري في مواجهة ثقافة التكفير الإرهابي التي تستهدف ثقافتنا الوطنية العقلانية، وقيمنا العروبية الحضارية أهمية خاصة، باعتباره حزباً عقائدياً يمتلك نظرية وطنية وقومية أصيلة، وتجربة عميقة وطويلة في النضال الفكري والتنظيمي، مايجعل العقائديّة فيه ليست نقيضاً للبراغماتية.
بالأمس وفي لقائه مع كوادر فرع دمشق أبرز الأمين القطري للحزب الرفيق بشار الأسد هذه الأهمية، وأكد على المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق البعث كحزب عقائدي في هذا المجال، وهي المسؤولية  التي تستوجب أن يستنفر الحزب إمكانياته الفكرية، ومخزونه الثقافي، وتراثه النضالي، ويجعل من المسألة الفكرية أولوية في اهتماماته، ويعتمد التحليل العلمي، ويستلهم هموم الناس وطموحاتهم وآمالهم في عملية التطوير بما يربط الفكر بالواقع، والتنظيم بالمجتمع والشعب، فهذا يُحصّن الحزب ضد التقوقع والجمود، ويجنّب المجتمع بالتالي خطر الفراغ الفكري الذي تستغله النزعات التهديمية والتخريبية كما يحدث في الأزمة.
ومن الواضح أن الحزب قد انخرط، في الآونة الأخيرة، في المواجهة الفكرية وأعاد الاعتبار للمسألة العقائدية من خلال جهود حثيثة تنظيمية من جهة وجماهيرية من جهة ثانية، لكن اشتداد الحملة الإرهابية بما تحمله من الآثار الإعلامية والفكرية السلبية تقتضي المزيد من الخطط العملية الآنية، فضلاً على الخطط بعيدة المدى المستفيدة من «دروس الأزمة» لتحصين المجتمع وتصليب بنيته التنظيمية والفكرية حتى لا تكون قابلة للاختراق مرة أخرى.
والحزب قادر على هذا لأن جماهير الشعب والأمة ترى في سورية -منطلقه وموئله الأساسي- أنموذجاً للانفتاح الحضاري للاعتدال، وبوتقة وطنية وعروبية وإنسانية يصعب تاريخياً اختراقها من تيارات التطرف والتخلف والرجعية والحقد والإرهاب، وهذا ماجعل الحزب قادراً على البقاء متماسكاً، إضافة إلى كونه مؤسسة وطنية وعروبية منتِجة بلا انقطاع للكفاءات والكوادر التي تمكّنت عبر تاريخه النضالي من استمرار المراجعة والتجديد التنظيمي والفكري تمكّناً لا يعصف به خروج بعض الانتهازيين الذين دخلوا بين صفوفه.
واليوم يسود العمل الحزبي نبرة التفاؤل، وتتفتّح أمامه مناخات إيجابية شعبية وطنية، وهو يشهد بعد اجتماع اللجنة المركزية الموسّع العام الماضي تطوراً نوعياً وزخماً جديداً واعداً برزت خلاله تغيّرات بنّاءة وواعدة في القناعات المجتمعية الوطنية من خلال حيويته وإصراره اللذين يجسّدان قدرته على التواصل الفعّال والمجدي مع الأحزاب الوطنية الجديدة والسابقة وإقامته تحالفات مثمرة معها، ولاسيما أنه يعمل على إعادة النظر في خطابه التقليدي النمطي، ويتجه نحو منهج التحليل العلمي البعيد عن الخطابية والإنشائية ويهتم بمقومات الشخصية والسلوكية الحزبية لتجاوز الفراغ الفكري والتنظيمي الذي تَهددّه في بعض المراحل السابقة، وفي المرحلة الراهنة التي «ارتفع فيها مستوى التسييس بين المواطنين».