مساحة حرة

طبّاخو السّم وطقوس تذوّقه

ناظم عيد
لم يعد من فرص سانحة لرأب التّصدع الذي شطر “مضارب” المشهد الخليجي، ويبدو أنَّ دورنا بات وشيكاً في اعتلاء مقاعد المتفرجين على فصول صراع “مصَّاصي” الدماء، بكل ما يعتريهم من طاقات وقدرات على الحقد والكراهية، وأغلب الظنّ أنَّ القادمات من الأيّام ستحفل بمزيدٍ من المجريات الجاذبة، لأنَّ حرب صانعي الحروب قد بدأت، وأزفت طقوس “تذوق السم”، والطبّاخون صاغرون هذه المرّة، وليسوا طائعين.
هي استنتاجات تفضي إليها القراءة المتأنّية لحيثيات ما يجري هناك، والذي لم يكن بالجديد بتاتاً، وإنما الجديدُ فيه الإعلان والانتقال من حالة التناحر الصامت، إلى التنازع بصوتٍ صاخب، ولم يعد من مجالٍ لدفن خلافات يبدو منشأها إلحاحُ المصالح، لكن لحقائقها اتجاهاتٍ ومساراتٍ أخرى، هي المهمّ والجدير بالمتابعة حتى آخر فصول المشهد.
فآل سعود منهمكون منذ سنوات وليس للتو، في تقليم “مخالب” آل ثاني، والمحاولات متبادلة في سياق حرب الحضور والدور، وسط إقليم كاد أنْ يكون خراباً على أيدي الطرفين وبأدواتهم وأموالهم وحرابهم، وبقيت جولات الصراع مستترة، فما الذي أخرجها إلى دائرة الضوء المبهر؟.
هو سؤال تفضي الإجابة عليه إلى تصوّرات كاملة لعمومية المشهد الخليجي، ومآل الصراع الذي بدأ، وبات واضحاً أنَّه لن ينتهي بجلسة “مخاتير على وليمة عواس سوري دسمة”، لأن صافرة البدء أُطلقت من كواليس واشنطن، ولا منَاصَ من الامتثال.
الصافرة ذاتها التي أشعرت بتصدير الموت إلى سورية، والتي أطاحت بعدها بحمدي قطر، وأحالتهما إلى المستودعات المظلمة، كأيِّ برميل خردة فارغ فاقد الصلاحية، هي ذاتها من أحال بندر آل سعود إلى حيث يجهل الجميع ربّما.
هل من عاقلٍ يصدّق أنَّ النزاع بين الدوحة والرياض، نابع من سعي الثانية لتأديب الأولى على رعايتها الإخوان المسلمين، أليست السعودية الراعي التاريخي للجماعة ولكل معتنقي الفكر الظلامي وصولاً إلى الوهابية التي باتت آفة كونية، ألم تكن الشراكة في دعم هكذا تيارات علامة فارقة في علاقة “العصابتين”؟!…
بالأمس أعلن آل سعود “قائمة إرهابهم” مضمّنينها الجماعات التي لم تتحرّك إلا بإشارتهم، ولم يستعر نشاطها إلّا بأموالهم، أي الإرهاب يعلن حظراً مريباً ومفاجئاً على ذاته، ويبدو أنّ كلَّ شيء بإيعاز وإملاء، وبما أنَّ الإشارة قد جاءت طازجة، فهذا يفتح غرف الانتظار أمام هواة الترقب للجديد على مستوى ملف الإرهاب كاملاً…
الإرهاب يعضّ وينهش بعضه البعض هنا في الميدان السوري، حيث صراع المرتزقة والعصابات الدموية، التي تلتهم نفسها كما الذئاب الجريحة التي تلعق دماءَها سُعاراً، ورعاة الإرهاب بدؤوا حرباً لا يملكون العودة عنها.. مؤشران لا يمكن لأيِّ عاقلٍ أن يقرأهما إلّا بعناوين الصلاحية المنتهية للبضائع المستهلكة، كما أي حذاء أو مناديل الاستخدام لمرّة واحدة.
من هنا يبدو الإقليم وليس سورية لوحدها أمام أفق جديد، وترتيب مختلف فرضته سورية بصمودها، من هنا انبثاق ملامح العالم الجديد بأقطابه العائدين والجدد، وانكشاف لحقائق “ربيع عربي” مزعوم كاد يحوّل المنطقة بمقدراتها وشعوبها إلى يباب، ومن هنا بداية نهاية إرهاب روّع الكون، فأنجزنا ما عجز عنه من عَجَز، وهذا مفصل تحوّل، وفصل ناصع سيوثقه كتَبَةُ التاريخ، واحتمالات التزوير شبه معدومة، لأن ما جرى لم يجرِ في الكواليس بل أمام كل المبصرين في هذا العالم.