مساحة حرة

معركة كسب.. والنتائج العكسية!؟

د. تركي صقر

استغرق الإعداد للعدوان الإرهابي الأردوغاني على كسب شهوراً عديدة وبتوجيه واندفاع من الإدارة الأمريكية وبتنسيق بين العواصم الثلاث أنقرة والدوحة والرياض ومعها تل أبيب فكل هؤلاء اشتركوا سوية منذ أكثر من ثلاث سنوات في كتابة السطر الأخير في صفحة الحدث السوري ألا وهو النيل من سورية وشطبها من معادلات المنطقة غير أن جميع محاولاتهم للوصول إلى ذلك باءت بالفشل ورغم اندحار أدواتهم المرة تلو الأخرى لم يتوقفوا عن أعمالهم الإجرامية ضد سورية الشعب والدولة والوطن و لم يتعظوا حتى مع سقوط سيناريوهات التآمر التي تبنوها طوال أكثر من ألف يوم من عمر الأزمة، ولاسيما في الأشهر الأخيرة التي شهدت انهيارات واسعة للمجموعات الإرهابية في أكثر من منطقة سورية، وتحديداً في الغوطة والقلمون بريف دمشق ومحافظة حمص وريفها الغربي.

إذاً، لماذا عاود تحالف العدوان مجتمعاً هذه المرة خوض معركة الشمال انطلاقاً من كسب ومروراً بحلب وإدلب وغيرها من الحدود القريبة من تركيا؟ ليس ثمة صعوبة في الجواب إذا علمنا أن الشغل الشاغل للإدارة الامريكية ما قبل مؤتمر «جنيف2» كان إحداث تغييرات في مسار الأزمة في سورية فما بالك بعد فشل الدبلوماسية الأمريكية في تمرير حل سياسي لمصلحة عملائها من «المعارضة الخارجية» خلال انعقاد «جنيف2»، إذ بات الاندفاع الأمريكي أكبر بكثير لإحداث خرق أو تغيير في موازين القوى على الأرض وبأي شكل من الأشكال وهذا ما لم يخفه كل المسؤولين في إدارة أوباما لذلك أصدرت أوامرها «السامية» لكل الأطراف الشريكة في سفك الدم السوري لتجاهل خلافاتها حالياً وخوض معركة واحدة في الشمال السوري بدءاً من كسب.

أمر واضح تماماً ولايحتاج إلى برهان، أن هذا العدوان الأردوغاني ما كان ليحدث لو لم يكن هناك تنسيق واندفاع أمريكي كبير يستهدف إحداث تغيير على الأرض بمسار الأزمة في سورية. فحكّام قطر الجدد ليسوا بعيدين عن هذا العدوان، ضمن الحلف الذي يجمع الدوحة بحكومة رجب طيب أردوغان، كذلك السعودية ليست بعيدة عن هذا الاعتداء المجرم السافر، لأن المجموعات الإرهابية التي رعتها تركيا ودفعتها إلى شن الهجوم من داخل الأراضي التركية وبتغطية نارية يأتمر جزء كبير منها بالإرادة السعودية، ما يعني أن ثمة تقاطعات بين العواصم الأربع أدت إلى القيام بالعملية الإرهابية رغم توتر العلاقة بين قطر والسعودية.

لقد جاء العدوان الأردوغاني في لحظة مفصلية من سلسلة النجاحات التي حققها الجيش العربي السوري على أرض الميدان العسكري وفي وقت ظهر جلياً رجحان الكفة لمصلحته وهنا نرى أن هذا العدوان يتضمن جملة من المحاولات يمكن تلخيصها بما يلي:

– محاولة لإحراز نصر عسكري ما، بعد سلسلة الفشل المتراكم ميدانياً، والذي أدى الى توقف مفاوضات «جنيف2» بعد نجاح الدبلوماسية السورية والروسية استناداً إلى المعطيات الميدانية على الأرض، والهدف إنهاك القيادة السورية وذهابها ضعيفة إلى «جنيف3» تمهيداً للحصول على تنازلات سياسية وازنة.

– محاولة للتعويض عن الخسارة الاستراتيجية لمنطقة القلمون في يبرود، وفي قلعة الحصن والزارة في ريف حمص الغربي التي كان متوقعاً لها أن تقطع الطريق إلى الساحل وأن تلعب دوراً رئيسياً في توفير الدعم والإمداد لما يسمى «معركة دمشق» المخطط لها أن تبدأ انطلاقاً من الأردن عبر درعا والجولان ومناطق الغوطة وريف دمشق، وهو توجه يبدو أنه لم يسقط بل يتم العمل على إعادة إنتاج الظروف المؤاتية له، ومعارك الشمال تأتي في قلب هذا التوجه، وثمة معطيات عن إعادة رسم هذا التوجه والتخطيط له بوسائل واستراتيجيات جديدة ليست معركة الشمال ببعيدة عنها لسحب القوات السورية باتجاه منطقة الشمال ومحاولة إضعاف قدرات المواجهة لدى الجيش عندما تحين معركة دمشق.

– محاولة تتصل بتكامل واضح في الأدوار والأهداف ما بين أردوغان و«إسرائيل» لجهة إقامة  ما يسمى «منطقة عازلة» شمالية وجنوبية في منطقة كسب، كما في الجولان، لخدمة الأهداف الاستراتيجية التي تحاكي مصالح الطرفين، التركي بالموضوع الكردي وحتى التركماني، والإسرائيلي في موضوع قطع الطريق على المقاومة انطلاقاً من الجولان. .

– محاولة تتصل بالمعركة التي يقودها الأميركيون ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خصمهم القوي الذي هزمهم في أوكرانيا وضم جزيرة القرم، في إطار الرد على هذه الانتكاسة الكبيرة بإضعاف سورية أملاً بالتمهيد للمساومات المقبلة .

لكن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر وفوجئ أصحاب العدوان الشمالي بالنتائج العكسية وأن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم استناداً إلى أمرين:

 الأول: قدرة الجيش العربي السوري وتمكنه في وقت قصير جداً من احتواء الهجوم الذي قامت به المجموعات الإرهابية من داخل الأراضي التركية، ويعدّ العدّة لهجوم معاكس لاستعادة مدينة كسب ومحيطها الشمالي، وفي الوقت ذاته لم تستدرج دمشق للرد على التدخل التركي المباشر في العدوان، بما في ذلك إسقاط الطائرة السورية، لكيلا يشكل ذلك ذريعة لأردوغان لمزيد من التورّط في شن عملية عسكرية أوسع ضد سورية..

 والثاني: الإنذار المزدوج الذي وجهته كل من روسيا وإيران بلهجة شديدة إلى حكومة رجب طيب أردوغان وتحذيره من خطورة المشاركة مع الإرهابيين في العدوان على سورية، وهو ما ساهم في وقف الاندفاعة التركية، رغم أن سلاح المدفعية التركية ما برح يساند الإرهابيين.

وأخيراً يمكن القول: إن مراهنات التحالف الأميركي ـ التركي ـ الخليجي على معركة كسب في طريقها إلى السقوط وإن محاولاته لإحداث خرق جدي لمصلحة المجموعات الإرهابية لم تنجح، بل أدى العدوان إلى نتائج عكسية من حيث الاستنفار الوطني العارم الذي شمل الشعب السوري والتفافه حول الجيش والقيادة لمواجهة العدوان الجديد واستعادة كسب مهما بلغت التكلفة

البعث ميديا