مساحة حرة

الإنكاريون.. والفشل الذريع

بعد أكثر من ثلاث سنوات على صمود الدولة العربية السورية، شعباً وجيشاً وقيادة، في وجه أعتى حرب إرهابية عرفها التاريخ، لم يعد التضليل السياسي والإعلامي، الذي دأب رعاة الإرهاب وداعموه الدوليون والإقليميون على ممارسته، قادراً على طمس حقيقة الواقع السياسي السوري، أو تزييفها.

واقع في غاية الوضوح، يتصدّره، اليوم، حدث الانتخابات الرئاسية، كاستحقاق دستوري وطني، يستعد له السوريون بحماس كبير، على خلفية الإنجازات المتواصلة التي يحققها الجيش العربي السوري، والمصالحات الوطنية الجارية على قدم وساق في العديد من المناطق، ليشكل إجراؤه المرتقب في موعده المحدد، ضربة موجعة لمشروع إسقاط الدولة، وحامليه، من مخططين ومنفذين ومشاركين. ومن المؤكد أن الأعداء يعرفون هذا الواقع جيداً، لكنهم يصرون على إنكاره، لأن الاعتراف به يعني التسليم بهزيمة نكراء لن يكون من السهل عليهم هضم آثارها الإقليمية والدولية.

وإذا كان السلوك الإنكاري في علم النفس، آلية دفاعية لمواجهة حقيقة مؤلمة، فإنه في حالة هؤلاء آلية سياسية لتبرير استمرارهم في مشروعهم العدواني رغم معرفتهم بهزيمته، كما أنه لا ينفصل عن عملية متممة، هي محاولة خلق واقع افتراضي بديل على مقاس رغباتهم وأهدافهم، يجنّدون له السياسة والإعلام في أشكالهما الأكثر لا أخلاقية وانحطاطاً.

وغالباً ما يلجأ هؤلاء إلى شتى أنواع الاحتيال السياسي، إذا تكشّفت للعيان حقيقة الواقع وافتضح أمرهم، مثلما فعلوا مع الإرهاب الذي ظلوا ينكرون وجوده وجرائمه البشعة، إلى أن أعلن عن نفسه صراحة، ولم يعد إنكاره مجدياً، فاضطروا إلى الاعتراف به، واتخاذ بعض الإجراءات للإيهام بأنهم ضده، لكنهم اخترعوا في الوقت ذاته، بدعة “المعارضة المعتدلة” للاستمرار في دعمه والتغطية على أفعاله الإجرامية، في ممارسة ازدواجية مفضوحة، اعتادوا عليها كلما اقتضتها غاياتهم الدنيئة.

ولا يستهدف هذا السلوك الإنكاري الواقع السوري فقط، بل يمتد أيضاً إلى الواقع الدولي ذي الصلة به، وإلّا فبماذا نفسّر استمرار ثالوث الإجرام الأمريكي البريطاني الفرنسي في إثارة الملفات المختلقة إياها من حين لآخر: “ملفات الكيميائي، وجرائم الحرب، والاستغاثة الإنسانية”، لاستصدار قرارات دولية من مجلس الأمن تجيز التدخل العسكري في سورية؟!. أليس ذلك إنكاراً فظاً للواقع الدولي الجديد، الذي لم يعد يسمح بتلك القرارات التدخلية العدوانية، بشهادة الفيتوين الروسي والصيني الجاهزين للجم اندفاعات الغطرسة الغربية؟.

وتبقى السمة العامة للسلوك الإنكاري أن أصحابه لا يكتفون بإنكار كل ما من شأنه التعبير عن انتصار الدولة السورية، بل يسعون بكل الوسائل اللا مشروعة لإجهاضه وإعاقته، حتى وهم يعلمون أن سعيهم بلا جدوى، ومن ذلك ردهم على الاستحقاق الانتخابي، الذي يرفضونه جذرياً، بمنع السوريين من الاقتراع في أوروبا، والتهديد برفض نتائج الانتخابات، إذ من الواضح أن مثل هذا الإجراء أعجز من أن يوقف قطار الاستحقاق الانتخابي، الذي يتجه، رغم أنوفهم، إلى يوم الاقتراع الموعود، لكنه نوع من المسكنات السياسية التي يستخدمونها للتخفيف من آلام الصداع السوري المزمن الذي يعانونه.

وخلاصة القول: إن سياسة الإنكار التي استنفدت أغراضها السياسية والإعلامية، وفشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها، تتجه إلى نهايتها المحتومة. والإنكاريون، الذين حشرتهم الانتخابات الرئاسية في زاوية ضيقة، لن يعدموا وسيلة الخروج من المأزق السوري عندما يحين الوقت الذي لم يعد بعيداً، عبر الاعتراف بانتصار الدولة السورية، والعودة للتعامل السياسي معها.

أما الإنكاريون من الأدوات السورية الرخيصة المتخصصة في مغازلة الكيان الصهيوني، وتسوّل التدخل العسكري الأمريكي، من أمثال “الجربا” وجماعته، ففي طريقهم الحتمي الى مزابل التاريخ، مروراً بمصحات الأمراض العقلية.

محمد كنايسي