مساحة حرة

29 أيار ..صورة الوحشية الفرنسية

مهما تنوعت الأمكنة واختلفت الظروف والأزمنة، يبقى للاستعمار وجهه الراسخ في الإجرام وتبقى صورته المتأصلة في الجريمة المقيتة هي التي تُعبر عن ثقافته الحقيقية وعن مكنونات أفعاله التي يقوم بها ضد الشعوب الأخرى لتحقيق أهدافه في اللصوصية وسرقة مقدرات الدول الفقيرة ، وهذا ما تعكسه عبر التاريخ أعماله الوحشية ضد الدول المستعمَرَة والتي لا تختلف عما نراه اليوم في كثير من دول المنطقة وما تقوم به أدوات الاستعمار المحلية والمستوردة من جرائم فظيعة تقوم بها العناصر الإرهابية المدعومة من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها ، وما الأعمال التخريبية التي نشهدها في سورية هذه الأيام إلا حلقة من مخطط قديم مجدد تُحاول الدول الاستعمارية من خلاله استمرار سطوتها على الدول الفقيرة .

ونحن نحيي الذكرى الثامنة والسبعين لمجزرة البرلمان السوري لا بدَّ لنا وأن نستذكر القصة بتفاصيل أحداثها وننحني قبل ذلك إجلالاً لبطولات الشهداء الذين قدموا أرواحهم وحياتهم لتبقى كرامة سورية محفوظة وراياتها خفاقة عالية وشامخة شموخ قاسيون ..في مساء يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من أيار من عام 1945 ، حيث كان بعض النواب  قد حضر منذ الساعة الخامسة مساءً لحضور جلسة المجلس النيابي التي لم يُكتب لها أن تُعقد بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني ، وبينما كان النواب ينتظرون  انعقاد الجلسة داخل مبنى البرلمان ريثما يصل زملاؤهم ، كانت الحامية الوطنية من الدرك والشرطة تقوم بواجبها الوطني في حماية البرلمان ، وإذ بالسلطة الفرنسية تُرسل إنذاراً للحامية الموجودة في البرلمان بضرورة أخذ التحية الرسمية للعلم الفرنسي حين إنزاله من على بناء الأركان الحربية والتي كان مقرها نادي الضباط القديم حالياً ، وإلا ستقوم السلطة الفرنسية بإطلاق النار على كل من يتأخر بالتنفيذ ، وفي الحال انفضت جلسة مجلس النواب التي لم يكتمل نصابها القانوني ، وفي السابعة مساءً من ذات اليوم تم إنزال العلم الفرنسي ، ولم تسمح الروح الوطنية الأبية التي يتمتع بها أفراد وضباط الحامية من الاستسلام لأوامر السلطة الفرنسية ، حيث رفضوا مجتمعين تأدية التحية الرسمية للعلم الفرنسي ، وبعد عشرة دقائق فقط باشر مرتزقة الجيش الفرنسي إطلاق النار من كافة الجهات وبكل صنوف الأسلحة المتوفرة لديهم على عناصر الحامية الوطنية للمجلس النيابي  ، وأخذ عناصر الحامية بالرد والدفاع عن الموقف والمكان حتى نفذت ذخيرتهم تماماً وكان على رأسهم قائد الدرك شفيق المملوك والمفوض سعيد القهوجي اللذين استشهدا مع مجموعتيهما من الدرك والشرطة ، ويُذكر بأنه عندما دخل الجنود الفرنسيون إلى مبنى المجلس النيابي وجدوا السيد عبد الله برهان بن حسين باشا إمام وهو أعزل فأخرجوه وسألوه عن بقية الأفراد ، فقال لهم : قتلتوهم ..الله يقتلكم ..فصاح الجنود الفرنسيين : تحيا فرنسا ، فرد عليهم في الحال : فلتسقط فرنسا ، فما كان من أحد الجنود الفرنسيين إلا أن قطع رأسه بضربة ساطور ، وتدحرج رأسه على الأرض وهو واقف بشموخ أمامهم وتقدم بخطوتين باتجاههم وهو بلا رأس والدم يفور من جسده الطاهر متحدياً همجيتهم قبل أن يقع أرضاً ، وهذه هي الصورة الحقيقية التي رسمها رعاع الحضارة ومدعو الحرية والثقافة في سورية ، وهي شبيهة تماماً بما يقوم به خنازير العصر الحديث من العناصر الإرهابية من نحر بالحراب وتقطيع الرؤوس بالسواطير وقطع الأعضاء والتمثيل بالجثث ، لذلك علينا ألا نستغرب ما يفعله هؤلاء المرتزقة والخونة كون أسيادهم ومشغليهم سبقوهم في الجريمة وتفوقوا عليهم بضرب الصورة الإنسانية التي لم يتعلموها يوماً ، كما أنه ليس غريباً عن سياستها ما تقوم به فرنسا وشركاؤها من محاولات لتجريم الدولة السورية الرسمية في مجلس الأمن ، وتبرئة العصابات الإرهابية العاملة على المخطط الاستعماري الغربي في سورية !

ونحن نُحيي تلك المناسبة الوطنية الكبيرة نقف بخشوع واحترام أمام ذكرى مآثر الأبطال من أجدادنا ، نؤكد بأننا نحن أحفاد هؤلاء الأبطال الذين قاوموا المستعمر الغاشم بأجسادهم العارية متسلحين بإرادة النصر التي كانت وستبقى أقوى من كل الأسلحة الفتاكة التي استخدمها ويستخدمها الغرب الاستعماري وعملاؤه في سورية وفي الوطن العربي ، وسيكون انتصارنا على الإرهاب استمراراً لانتصارات الأجداد ومتصلاً بعنفوان وشجاعة أبنائنا الذين لن يتأخروا بالذود عن تراب الوطن وكرامته وحريته واستقلاله في كل زمان ومكان مهما كانت قوة الأعداء