مساحة حرة

اجتماع القيادة القطرية.. وتصويب الرؤية

لقد أثبت التاريخ النضالي لحزب البعث العربي الاشتراكي أهمية المحطات المتأنية التي كانت تحمل معها في كل مرة وقفات تأمل موضوعية لقراءة الأحداث وإعادة تقييم العمل الحزبي بموضوعية واتخاذ القرارات المناسبة التي تُساهم بشكل مباشر في تجديد الحياة الحزبية ويكون لها انعكاساتها الايجابية على أداء إدارات الدولة ومؤسساتها العامة بشكلٍ عام، بما يُلبي طموحات الجماهير الشعبية ويُحقق تطلعاتها المنطقية على كافة المستويات السياسية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية.

لذلك جاء اجتماع القيادة القطرية المنعقد بتاريخ 21 حزيران برئاسة الرفيق الدكتور بشار الأسد الأمين القطري للحزب بعد أقل من ثلاثة أسابيع على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وتحقيق انتصار سياسي كبير أثبت من خلاله الشعب السوري بكافة أطيافه صلابة موقفه الوطني وتمسكه بالثوابت الوطنية والدفاع عنها بكل ما يمتلك من قوة، ليُشكل محطة هامة في تقييم عمل المؤسسات الحزبية خلال الفترة الماضية، والانطلاق نحو أفاق جديدة مليئة بالمتناقضات والآثار السلبية التي ولدتها الحرب الكونية المتعددة الأهداف والوسائل والتي فرضت على سورية منذ ثلاث سنوات ونيف، ولم تتمكن تلك الحرب القذرة رغم كل ما تم حشده فيها من النيل من هيبة وعزيمة الدولة السورية وقدرتها في الدفاع عن الأرض والجو والبحر والإنسان ومنع الانزلاق في صراعات داخلية هدامة كانت تهدف إليها الحرب، وعلى البعث الذي كان ولم يزل يُشكل الحامل الشعبي الواعي لهذا الصمود الأسطوري أن يتحمل مسؤولياته الكاملة تجاه الشعب السوري ومؤسساته الرسمية وشبه الرسمية التي كلفته بتوكيل رسمي وديمقراطي عبر صناديق الاقتراع بالاستمرار في قيادة سورية من خلال اختيارها لأمينه القطري الدكتور بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية لولاية دستورية جديدة تمتد حتى غاية السابع عشر من تموز 2021، من هنا تنبع أهمية هذا الاجتماع والتطلع نحو وضع آليات جديدة للعمل الحزبي تكون منسجمة مع متطلبات المرحلة ومتوافقة مع الواقع بحيث تكون الأفكار والرؤى السياسية والاقتصادية والفكرية المطروحة قابلة للتطبيق وبعيدة عن التكرار النظري لشعارات وأهداف لا تُعطي للمواطن نتائج ملموسة على الأرض.

وفي العرف العام هناك مقولة شائعة: “بأن كلام الناس أقلام الحق”، من هنا يجب أن تنطلق القيادة لدى تقييم سوية أداء أي رفيق بعثي في موقع قيادي حزبي أو إداري أو نقابي أو تقييم أداء المؤسسات، من خلال تقييم المواطن له ومدى سلامة علاقة هذا المسؤول أو ذاك بالناس ومستوى تقديره للمصالح العامة إضافة إلى ما قدمه بشكل حقيقي ملموس في قطاع عمله، بعيداً عن الإطراءات الواردة من المواقع أو الأشخاص في القيادات الأعلى، بل على العكس إذا تمكنت القيادة من أن تبني قرارها على معطيات الواقع تكون بذلك أقرب إلى مصلحة الحزب والدولة والمواطن بنفس الوقت وإن صوابية القرار هو قوة للحزب والمجتمع، لذلك لا بد من إعادة تقييم واقع القيادات الحزبية القائمة في المحافظات على مستوى الفروع والشعب، والاعتماد على الرفاق الذين أثبتوا قدرة مميزة في تفعيل العمل الحزبي، ويمتلكون تفكيراً أكثر ديناميكية لتفعيل ثقافة الحوار والتواصل مع الأجيال وخاصة جيل الشباب داخل الحزب وخارجه للوصول إلى رؤى وتفاهمات موحدة في جميع القضايا الوطنية من أجل حماية الوطن وإعادة الروح التفاعلية الايجابية لدى شرائح المجتمع كافةً.

لقد أظهرت الانتخابات الرئاسية حالة من الوعي الوطني الراسخ في نفوس السوريين بمن فيهم المهجرين الذين غُرِرَ بهم من أجل استثمار واقعهم الاجتماعي المذري وحالة اللجوء القسري الذي فرض عليهم من قبل العصابات الإرهابية والدول الداعمة لها من أعداء سورية، والعمل عليه في المحافل الدولية واستغلاله من الناحية الإعلامية والإنسانية ضد البلد والدولة والحزب حيث فشلت كل هذه المخططات العدوانية، وتمكن المواطنون السوريون في الخارج من كسر كل القيود التي فرضت عليهم وسارعوا لإثبات وطنيتهم وتمسكهم بخياراتهم الوطنية في الاستحقاق الرئاسي وذهبوا إلى السفارات السورية للإدلاء بأصواتهم رغم كل التهديدات التي حاصرتهم، وهذه المواقف الوطنية الأبية وغيرها تفرض على الحزب وقياداته مستوى عالي من المسؤولية والتفكير بتغيير الذهنية بما يخدم لم الشمل الوطني ويُساهم في تسريع إعادة الإعمار وتعافي الوطن وعودته إلى أفضل مما كان عليه في السابق، لأن جميع القوى والوطنية التي ساهمت بشكل ما في الحفاظ على الدولة ومؤسساتها ترفض العودة إلى الوراء، وهي تنتظر من القيادات دوراً مميزاً وفاعلاً للنهوض بالعمل الحزبي والمؤسساتي، وهذا كله يتطلب “نفض” المؤسسات الحزبية التي أثبتت عجزاً في أدائها وتواصلها مع الجماهير الشعبية في بعض المحافظات والمناطق الهامة، ولا أريد هنا أن أشير إلى أسماء محددة ، لأنه لدى القيادة القطرية مؤشرات ومعلومات مؤكدة تستطيع أن تبني عليها وتتخذ القرار الصائب ضمن الفترة الزمنية المناسبة، وهذا ما تنتظره الجماهير الحزبية والشعبية.

وإن الحفاظ على الانجازات والانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري الباسل في أرض المعركة، والتضحيات المشرفة التي قدمتها بواسل قواتنا المسلحة والدفاع الوطني وكتائب البعث وكل القوى الشعبية والوطنية الشريفة، تتطلب وجود قيادات سياسية وإدارية قادرة على حماية هذه الانتصارات والتضحيات والبناء عليها لتحقيق طموحات الجماهير الشعبية التي صمدت بقوة كل هذا الوقت، ولدينا ثقة بأن القائد الرفيق الأمين القطري الدكتور بشار الأسد يقود السفينة بعناية وهدوء إلى بر الآمان ، وعلى طاقم السفينة أن يقوم بدوره على أكمل وجه حتى لا تتعرض السفينة إلى الغدر والخلل مرة جديدة.

محمد عبد الكريم مصطفى

Email: Mohamad.a.mustafa@Gmail.com