مساحة حرة

القضاء على الإرهاب .. وسياسة المراوغة ؟

إن الحرب على الإرهاب بالشكل الذي تُريده الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى إليه، وقد حشدت له أغلب القوى والدول الحليفة لها في المنطقة والعالم، لا تهدف من خلالها القضاء على الإرهاب كما تدّعي، بقدر ما تعتمد سياسة المراوغة والكذب المعهودة لديها لجر المنطقة إلى حرب استنزاف طويلة الأجل غير واضحة النهاية ، تستطيع من خلالها السيطرة على مصادر الدخل المتنوعة وتلحق بالمنطقة وشعوبها أقسى أنواع العجز والفقر، لذلك بدأت الترويج لهذه الحرب الخدعة بأنها تحتاج إلى ثلاثة أعوام، ثم رفعت المدة الزمنية اللازمة إلى ثلاثة عقود قادمة، وحددت الكلفة الشهرية للضربات الجوية المتلاحقة على تنظيم ” داعش ” الإرهابي الذي ألبسته هي ذاتها ثوب القوة الأسطورية ترهيباً للقريب والبعيد بمليار دولار شهرياً  يجب أن تُسدد للخزينة الأمريكية من قبل عرابي المشروع الصهيو – أمريكي في المنطقة وإلا تصل ” داعش ” إلى قصورهم بأقل من رفة عين.

كما هو معلوم للجميع و هذا ما اعترف به الساسة الأمريكان أنفسهم بأن تنظيم ” داعش ” الإرهابي هو منتج أمريكي بامتياز ، وقد تم تشكيله ليقوم بدور إعادة رسم الخارطة الجديدة للمنطقة وفق ما أطلق عليه ” شمعون بيريز ” الشرق الأوسط الكبير ” أو الجديد ” من خلال سيطرته على ستة دول أساسية في المنطقة هي لبنان وسورية والعراق والأردن والسعودية واليمن ، وإعادة ترسيمها بما يتوافق مع المشروع الصهيوني القديم المجدد للمنطقة ، بهدف إزالة القوى المعادية لإسرائيل عن الساحة القريبة منها وجعل المنطقة محمية إسرائيلية تؤمن المصالح الأمريكية  وتستطيع الولايات المتحدة من خلالها السيطرة على اقتصاد العالم لما تمتلكه هذه المنطقة من مقومات اقتصادية فريدة ، وهذا ما أكدته تصريحات السياسيين الأمريكان في أكثر من مناسبة ، من وزيرة الخارجية السابقة ” هيلاري كلينتون ” إلى نائب الرئيس ” جو بايدن ” وزلة اللسان التي اعترف عبرها برعاية حلفائهم الأساسيين في المنطقة ( السعودية وتركيا والإمارات المتحدة ) للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها ” داعش ” ، ومن السذاجة بمكان أن نثق بأن الولايات المتحدة تسعى أو تفكر بحرب حقيقية على الإرهاب الدولي بشكل عام ، وعلى ” داعش والنصرة ” بشكل خاص ، بل من المؤكد بأنه لديها مخطط ثابت لتهديم المنطقة وتخريبها وقلب أنظمة الحكم الوطنية فيها لصالح الفوضى الهدامة من أجل تغيير وجه المنطقة من دول وطنية لها سيادتها واستقرارها إلى كيانات طائفية وإثنية متصارعة ومرتبطة بعجلة القطار الأمريكي ، وهذا ما أشار إليه مسؤول سابق في المخابرات البريطانية اعتبرها المتابعون بمثابة فضيحة حيث أكد أن أمريكا وبريطانيا هما من أنشأتا التنظيمات الإرهابية لنشر الفوضى وتدمير منطقة الشرق الأوسط لتحقيق الأهداف الأمريكية والغربية الاستعمارية في المنطقة .

انطلاقا من هذه الرؤية لما يجري وما تخطط له الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها ، لا بد من اعتماد خطط محلية وإقليمية ودولية متكاملة لمواجهة المشروع الأمريكي التخريبي للمنطقة ، وهذا يعتمد على تحرك فاعل من قبل القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها روسيا والصين وإيران ومجموعة دول البريكس لوقف حرب الاستنزاف الطويلة التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية فرضها على المنطقة متجاهلة كل القوانين والتشريعات الدولية ، ولتقوم من خلالها بتنفيذ ما عجزت عن تحقيقه بالغزو المباشر ، ولا يكفي ضمن هذا المشهد الخطير إطلاق إشارات التحذير والانتقاد سواء من روسيا أو إيران أو غيرهما ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً لا مكان في سياساتهم ودورهم للمواقف الأخلاقية و الإنسانية تجاه الشعوب الأخرى ، ولا يفهمون إلا لغة الردع المباشر ، وإن ما يقوم به الجيش العربي السوري من إنجازات يومية على الساحة السورية في ملاحقة الإرهابيين ودك أوكارهم في أغلب المناطق ، هو نقطة ارتكاز حيوية تستطيع الحكومة السورية وحلفاؤها في محور المقاومة البناء عليه ، والانطلاق نحو حرب تحرير شاملة تحت تغطية دولية صادقة من أجل لجم الأطماع الأمريكية والحيلولة دون الاستمرار في نهجها التخريبي للمنطقة .

إن الشعوب الفقيرة في المنطقة وعلى رأسها الشعوب العربية قد عانت الأمرين على مدى عقدين سابقين من سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الغبية والمخادعة وحروبها الظالمة في المنطقة ، ولا يُمكن لها أن ترضخ لهذا الواقع السيئ إلى الأبد ، وهي مستعدة اليوم أكثر من أي وقت مضى للانتفاضة الواسعة في وجه المشروع الأمريكي الاستعماري الجديد ومواجهته بكل الوسائل المتاحة وتحت أية تسمية ، ولو تطلب ذلك إعلان حرب الإنقاذ ضد الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحهم في المنطقة والعالم ، خاصة بعد الفشل الكبير الذي لحق بالدبلوماسية الدولية الهادئة على مدى أربع سنوات متواصلة ، وعدم قدرتها على ثني الولايات المتحدة عن متابعة السير في مخططها الخبيث تجاه تدمير المنطقة ، وعجزها عن تخليص الشعوب من عذاباتها وإعادة الأمن والأمان لها بعد أن كانت تنعم به لعقود طويلة سابقة ، وإن استمرار حرب الاستنزاف التي تريدها أمريكا لا يُمكن القبول بها تحت أية ظروف ، ولا بد من وضع حد لها ، وهذا يتطلب قرار دولي حكيم يُثبت للقاصي والداني انتهاء عهد سيادة القطب الواحد ، ويؤكد عدم قبول سيطرة الولايات المتحدة على مقدرات ومستقبل العالم .

 

محمد عبد الكريم مصطفى

البعث ميديا