line1مساحة حرة

تعويم “الإخوان” والموقف المصري

شهد الاجتماع الأخير لمجلس التعاون الخليجي تحوّلاً جديداً في  الموقف من الإخوان المسلمين بادرت السعودية إليه في إطار منعطف دراماتيكي مفاجئ بعد وفاة الملك عبد الله، ومن هذا المنطلق سعت المملكة إلى  أن يزورها في الوقت نفسه الرئيس المصري والإرهابي المجرم أردوغان.
وصدقت التحليلات في عدم إمكان عقد لقاء قمة ثلاثي، وعوّض الساسة  والإعلاميون السعوديون عن مشاعرهم بخيبة الأمل هذه بالقول “إن اجتماع الرئيسين المصري والتركي لم يتم لكن وجودهما في اللحظة ذاتها ينطوي على شيء”، ربما المقصود زج تركيا في دعم طرح مراوغ «القوة العربية المشتركة» من منظور إخواني نظير “المعارضة المعتدلة”، وهذا صعب أن يدعمه شعب مصر.
من الواضح أن رهاناً جديداً متشعّباً في المنطقة يتجه نحو الإخوان المسلمين تعززه سابقاً قطر وتركيا، وتتبناه السعودية مجدداً وتحاول زج مصر فيه من خلال ابتزازها بالمساعدات. ويقوم هذا الرهان على إحلال خطر وجودي بديل عن المشروع الصهيوني، هو الموقف من إيران، على أساس أن تتبنى السعودية موقفاً جديداً يتماهى مع الموقف التركي والقطري من الإخوان ومن الكيان الصهيوني وفق انزياح الخطر الصهيوني وإحلال نقيضه «الخطر الإيراني» تماشياً مع خطاب نتنياهو بالأمس تجاه جيرانه؟!
هذا الموقف يتطّلب من السعودية أن تنظر إلى «إسرائيل» كحليف مهم في هذه المرحلة، وهو مايراه سياسي  أوروبي موقفاً حاصلاً بالفعل  استناداً إلى نتائج لقاء مديري مخابرات المملكة، والكيان تركي الفيصل وعاموس يدلين في بروكسل العام الماضي، إضافة إلى طرح «السعوديين الجدد» مفهوم التعاون مع حكومة الإخوان التركية التي تستبد «بدولة علمانية وطنية أكثر قابلية لأن تتقاطع في مشروعها وسياساتها الإقليمية مع المصالح العربية بحيث يصبح الانشغال بالموقف من إيران أهم من الانشغال بالموقف التركي من الإخوان».
إن هذا التعويم الجديد للإخوان يتجاهل أن فشل مرسي أسقط كلياً الرهان الغربي على دور الإخوان المسلمين في صدارة المشهد الاحتجاجي العربي. فقد كانت تجربة حكمهم في مصر مهمة، ومريرة، ومفيدة، ودرساً صعباً لن يُعاد، بعد أن تأكد أن هذا الحكم اقترن بالولاء للجماعة وأذرعها الإرهابية والتكفيرية، وليس للوطن.
فأشقاؤنا في مصر، كغيرهم من الوطنيين العروبيين يدركون تماماً أن تنظيم الإخوان المسلمين ذو تاريخ مشبوه وأسود، وهو الأصل الذي تفرعت عنه التنظيمات الجهادية والتكفيرية في الوطن العربي  والعالم. فمن يجهل أن التباينات الطفيفة التي حدثت بين الإخوان والوهابية في الستينيات سرعان ماتقلصت بدعم صهيوأطلسي – رجعي عربي؟.
إذن لا يمكن أبداً زج مصر في المشروع الإخواني السعودي التركي الجديد، لأن المصريين، وغيرهم كثير، يفرّقون تماماً بين الإسلام التاريخي «المحمّدي» والإسلام السياسي «بأذرعه الإخوانية الوهابية» ولاسيما أن حركة النهضة والتنوير في مصر والمشرق والمغرب العربيين أسهم فيها رجال دين أفاضل وطنيون وعروبيون – مسلمون ومسيحيون – كانوا بعيدين كل البعد على التكفير والإرهاب والعمالة للغرب، بل التقى النهضويون الإسلاميون مع العلمانيين في إنجاز حركة التحرر والاستقلال العربية.
ثم أتى الإخوان ليصادروا المحصول التحرري ففشلت محاولاتهم المتكررة منذ قرابة قرن من الزمن. وستفشل اليوم أكثر جرّاء التطورات المشينة والمخزية التي وصل إليها هذا التنظيم، ولاسيما بتجلياته الأردوغانية التي ترى فيها أطياف واسعة من الشعب التركي نواة «منظمة إرهابية تعمل على تدمير المنطقة».
إن الحكام الذين يراهنون باستغلال وظيفي مرحلي على  الإخوان هم مناهضون للعروبة والإسلام، وهم في الحقيقة ليسوا متدينين، هم مدينون للغرب الذي رعى ويرعى هذا التنظيم لإرباك التحرر والتقدم والوطنية والعروبية في المنطقة، ولنسف القوى الحيّة الشقيقة والصديقة للمشروع العروبي المقاوم للصهيونية والعثمانية الجديدة والوهابية. وهم بالمحصلة يغذّون الإرهاب والتكفير، وسيقعون قريباً في شرّ أعمالهم. ولن يكون شعب مصر حطب نار فتنة كبرى واضحة، ولا الشعب العربي الذي بدأت أطياف واسعة منه تدرك هذه الحقائق وتعمل على وأد  هذه الفتنة في مصادرها ووسائلها وأهدافها.
لا شك في أن صمود سورية التاريخي سيسقط حلم المراهنين على الإخوان بأذرعهم الإرهابية الجوالة المتشظيّة، ولن يفلح أي نظام إقليمي أو دولي  في الرهان على التكفير والتدمير، وستتحقق قريباً مقولة الرئيس الأسد بالأمس للوفد التركي في أن «مكافحة الإرهاب لا تتم فقط عبر محاربة الإرهابيين، بل أيضاً من خلال ضغط الشعوب على الحكومات التي تدعمهم».
د. عبد اللطيف عمران