محفوظ ولد أعزيز: مشروع البعث ضرورة وجودية لإنقاذ الأمة من التشتت
*سؤال: تمر الذكرى 68 لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في ظل الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس، والتفكك العربي غير المسبوق، والظروف الإقليمية والدولية المتوترة، كيف تنظرون إلى دور الحزب ومشروعه القومي اليوم؟.
جواب: إن المتتبع اليوم لما يجري على الساحة العربية عموماً، وفي القطر العربي السوري خصوصاً، سيصل حتماً إلى نتيجتين: إحداهما أن الظروف والمعطيات الإقليمية والدولية التي أملت ظهور حزب البعث العربي الاشتراكي عادت للظهور بإلحاح بعد هيمنة القطب الغربي الاستعماري المعادي لحرية الشعوب والأمم، وحقها في الوجود ضمن عالم تسوده المساواة، وعلاقات الاحترام المتبادل، فحين ظهر حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الوجود، كان ثمرة نضال الشعب العربي من مشرق الوطن العربي إلى مغربه ضد الاستعمار، والهيمنة، ومصادرة الأرض والعرض والهوية الثقافية والحضارية لأبناء أمتنا العربية.
كان البعث تلك الصرخة التي لبّى نداءها أبناء وطننا العربي المستباح وممزق الأوصال بسبب السياسات الكولونيالية المنبثقة عن اتفاقية سايكس- بيكو بين بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين.
كان حزب البعث تلك الصرخة التي لبّى استغاثتها أبناء وطننا العربي في الجزائر وسورية وفلسطين والعراق، واليوم تعود بإلحاح الظروف والمبررات نفسها التي أملت ظهور حزب البعث إلى واجهة واقعنا العربي المثخن بالجراح، وبواقع أكثر خطورة على وجودنا كعرب، حيث إنه في تلك الظروف لم يكن التهديد ليطال نسيج الأمة الاجتماعي، وتماسكها العقدي.. كان التهديد يكمن في تمزيق وحدة الأمة ضمن حدود قطرية محمية من قبل الاستعمار الغربي.
كانت الحلقة الأكثر خطورة في هذا المشروع في تلك المرحلة هي زرع الكيان الصهيوني في مشرقنا العربي، وكان هدف الاستعمار في ذلك الوقت يتلخص في قضيتين: هما استمرار الهيمنة السياسية، والنهب الاقتصادي لمقدرات الأمة.
واليوم يطال هذا المشروع الكولونيالي الجديد نسيج الأمة الاجتماعي من خلال ركوبه موجة الصراع العقدي الذي يسعى من خلاله إلى تمزيق القطر العربي الواحد إلى كانتونات مذهبية وطائفية، محولاً بوصلة الصراع عن ربيبته “إسرائيل”، وعن نهبه المقدرات الاقتصادية للأمة، إلى صراع قيمي عقيم كله عبث وقتل وتدمير بلا غايات ولا أهداف ولا مسوغات أخلاقية أو سياسية غير تدمير الأمة، وهدر مقدراتها.
والنتيجة الثانية هي أن حزب البعث العربي الاشتراكي كان عميقاً في استشرافه لآفاق مستقبل أمتنا حين حلل الواقع العربي، وألحّ في منطلقاته النظرية على ضرورة التخلص من الأسر الرجعية والاقطاعية التي ورثها الاستعمار الكولونيالي الغربي لعروش وكراسي الأقطار العربية حديثة الولادة، واعتباره لها جيوشاً احتياطية لخدمة المشاريع الاستعمارية.
لقد أثبت واقعنا العربي اليوم صدق وعمق استشراف هذا التحليل النظري لمآلات هذه الأنظمة العميلة، ولسير ارتباطها التاريخي بالأهداف والغايات الاستعمارية.
من خلال ما تقدم، ومتابعتنا لما يجري في الشقيقة سورية من أحداث، نصل حتماً إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال ما أنجزه، خصوصاً بعد الحركة التصحيحية، من بنى تحتية صلبة في الزراعة والصناعة، ومن خلال إعداد الكادر الوطني المشبع بحب الوطن والأمة، ومن بناء جيش عقائدي مشبع بروح التضحية والفداء، هو الوحيد القادر على إعادة خروج الأمة العربية من الركام منتصرة على أعدائها التفتيتيين القتلة بفكره القومي الجامع، المعادي للهيمنة والاستعمار.
ويجب هنا ألا ننسى أن الشقيقة سورية التي تتصدى منذ ما يزيد عن أربع سنوات لعدوان دولي ظالم تشترك فيه أكثر من ثمانين دولة، فهي تقوم بذلك بفضل قوة وتماسك وصلابة البناء الذي بناه فيها حزب البعث العربي الاشتراكي على الصعيد المحلي، وفي علاقاته الاستراتيجية الإقليمية والدولية المبنية على أساس من الواقعية السياسية، البعيدة كل البعد عن الانتهازية الظرفية، والنفعية الضيقة المميتة.
*سؤال: ما هي أبرز معالم تطور حزبكم، وما هي الصعوبات الذاتية والموضوعية التي تواجه عملكم؟.
جواب: بدأ حزبنا “الحزب الوحدوي الديمقراطي الاشتراكي” في الممارسة السياسية المعلنة، مستفيداً من أجواء الانفتاح الديمقراطي الذي بدأ في موريتانيا أواخر التسعينيات من القرن الماضي من خلال مجموعة من الشباب المشبعين بفكر حزب البعث العربي الاشتراكي، المؤمنين إيماناً راسخاً بوجود أمة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج، وقد مر حزبنا بمحطات نضالية متعددة، فحين كانت موريتانيا تتبنّى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقد وجد حزبنا نفسه مجبراً على خيار النضال ضد النظام القائم آنذاك، وكان مساهماً فعالاً في نضال المعارضة ضد هذا النظام، وعندما انتهى هذا النظام غير المأسوف عليه بفعل نضال شعبنا وقواه الحية، دخل حزبنا مع النظام الجديد، مستفيداً من جو طرد سفارة الكيان الصهيوني الذي كنا من أكثر التشكيلات السياسية رفضاً للعلاقات معه، وقد عقدنا مؤتمرنا الأول سنة 2010، مستفيدين من جو الانفتاح على الحزب الذي أعقب الإطاحة بنظام التطبيع، وشهد حزبنا في هذه المرحلة فترة مد لابأس بها، حيث انضمت إلى صفوفه العديد من الأطر والكوادر الشبابية والنسائية، الشيء الذي أهّل حزبنا لخوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة في موريتانيا سنة 2013 من خلال قائمة وطنية دخل من خلالها قبة البرلمان الحالي.
أما عن أبرز الصعوبات التي نواجهها، فهي صراعنا منذ بروز ما يسمى بالربيع العربي مع تيارات إخوان الشياطين، والقوى التكفيرية والظلامية التي تدور في فلكهم، إضافة إلى شح الموارد على الرغم من أن غالبية الشعب الموريتاني تقف مع خياراتنا وتصوراتنا، وتساند توجهنا القومي العقائدي، الشيء الذي يشعرنا بالراحة والاطمئنان.
*سؤال: هل الأزمة التي يمر بها الوطن العربي هي إحدى الدلائل على فشل الفكرة القومية العربية، كما يدعي البعض، أم أنها على العكس مرحلة مخاض عسير سيؤدي إلى تجديد تلك الفكرة، وينجب وعياً قومياً جديداً يعيد بناء الأمة؟.
جواب: هذه الأزمة الكارثة أعادت إلى الأذهان ما غاب عن العديد من المفكرين والمنشغلين بالحقل السياسي على امتداد ساحتنا العربية، وهي أن أمتنا بحاجة ماسة إلى ما يجمعها لا إلى ما يفرقها، بحاجة إلى نظام وحدوي تعددي جامع، إذ لا يوجد مشروع سياسي جامع في واقعنا العربي المعاصر يواجه المشروع الاستعماري اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً ضمن ما اطلعت عليه، وما قرأت عنه من مشاريع، غير المشروع السياسي لحزب البعث العربي الاشتراكي.
لقد نادى حزب البعث منذ نشأته بدولة عربية واحدة مدنية علمانية، تتجاوز الغوص في الخصوصيات الفردية والجماعية، وتحترم المعتقدات الدينية، وتصون الخصوصيات القطرية لأبناء الأمة، وكان هذا التصور لمشروع حزب البعث عائداً إلى عمق تحليله لواقع الأمة التعددي في المجال العقدي، ولاحترامه للأرض العربية كمهبط لجميع الرسالات السماوية، لا رفضاً منه، أو تنكراً لمبدأ التدين والإيمان.
واليوم وبعد ما أفرزته هذه الأزمات والكوارث التي تمر بها أمتنا، أصبح مشروع حزب البعث ضرورة وجودية لإنقاذ الأمة من التشتت والضياع، ولو أمعنا النظر في واقعنا العربي اليوم، والمشاريع التي يروّج لها أعداء أمتنا كبدائل لهذا المشروع القومي النهضوي، لوجدناها مشاريع طائفية مذهبية تكفيرية تسعى إلى تحويل جميع أبناء الأمة إلى أخصائيي قتل وذبح وتهجير وتدمير، مشاريع تمزيق للرحمة في القلوب، وتمزيق لوحدة القطر الواحد إلى مجموعة كانتونات تسيطر عليها عصابات الجريمة المنظمة بلا وازع ولا رادع.
من هنا، أقول جازماً: إن المجتمع العربي حتماً سيعود مجبراً بحكم تجربته مع هذه التيارات المختلة فكراً وسلوكاً، إلى الفكر القومي العربي الجامع لأبناء الأمة، لأنه هو الفكر الوحيد الذي يشكل لهذه الأمة طوق نجاة، وسوف يقوم الشعب العربي بعد أن يصحو من صدمته بثورات حقيقية لكنس هذه النظم العميلة للمشروع الصهيو- أمريكي الاستعماري الكولونيالي التي أوغلت في دماء العرب، وسيتم التخلص من مذهبها الوهابي الإرهابي التكفيري، وإخوان شياطينها، وبالتأكيد ستعود أمتنا وشعبنا العربي من محيطه إلى خليجه من هذه المعركة أكثر وحدة وتماسكاً وقوة وثباتاً، وأكثر تمسكاً بمنهجه القومي الضامن لوحدة أمته وأمنها واستقرارها وازدهارها.
صحيفة البعث | البعث ميديا