مساحة حرة

الإرهاب بوجهه الحقيقي .. يطال مصنِّعيه!!

أخطأ الغرب الاستعماري عندما اعتقد بأنه قادر على إنشاء التنظيمات الإرهابية واستثمارها كيفما يُريد وفي المكان والزمان اللذين يُحددهما من أجل تحقيق أهدافه الاستبدادية التي تعود عليها إلى ما لا نهاية بعيداً عن التعرض للأخطار الارتدادية، لكن بنفس الوقت علينا أن نعترف بأنه نجح مرحلياً في تنفيذ مخططه التخريبي للمجتمع العربي والإسلامي بزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي أولاً بموافقة ومباركة عملائه من شيوخ النفط والمياه في السعودية والأردن، وعزز مكانة أعوانه بالمال والسلاح والفكر التكفيري المتخلف، ونشر ثقافة الإرهاب المبنية على الايدولوجيا الوهابية المنافية للدين ولمنطق التاريخ والإنسانية، كما استطاع جذب شريحة واسعة من رعاع المجتمعات الإسلامية برعاية ودعم مباشر مملكة الرمال الوهابية، وبإشراف خبراء الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، حيث تم تدريب المجموعات التكفيرية في دول عديدة بمستوى عالي وتم تسليحها بأسلحة متطورة ونوعية جعلتها قادرة على خوض معارك نوعية، حيث عهد إليها العمل بقوة ودون هوادة لضرب وحدة المجتمعات العربية والإسلامية من داخلها، من أجل القضاء على مكامن القوة الذاتية لدى هذه المجتمعات وانهاكها أمام واقع معقد يفتقد لأدنى وسائل المنعة الكاملة.

سورية التي كشفت وعرّت الخطط الخبيثة التي رسمتها الإدارة الأمريكية منذ أحداث أيلول 2001 المشكوك بصحة رواياتها وبحقيقة خلفياتها، ونبهت إلى فشل السياسة الأمريكية وحلفائها المعتمدة في مواجهة الإرهاب الدولي العابر للحدود في حينها، وحذرت فيما بعد من خطورة الاعتماد على التنظيمات الإرهابية بالوكالة عن المحور الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد محور المقاومة والممانعة الذي تقوده سورية وإيران وحزب الله في لبنان، وبينت في أكثر من مناسبة بأن هذه العصابات الإرهابية التي تعودت على الجريمة كوسيلة لاستمرارها واتساع نفوذها، لا يُمكن لأي قوة في العالم أن تحصرها وتُبقي أعمالها ضمن جغرافية محددة ، وهذا ما تأكد فيما بعد، وتحصد اليوم نتائجه الدول الغربية نفسها التي ساندت التنظيمات الإرهابية ودعمتها بالمال والسلاح وسهلت لها حركة مرور “الجهاديين” من كل بقاع الأرض للقدوم إلى سورية ومحاربة الدولة السورية وجيشها الوطني وضرب استقرارها لمجرد عدم قبولها بالسياسة الأمريكية في المنطقة وعدم الانصياع لأوامرها غير المبررة.

ففي يوم الجمعة 26حزيران الجاري حدثت ثلاث جرائم إرهابية بشعة ومدانة في كل من سوسة التونسية وفي جامع الإمام الصادق بالكويت وفي ليون الفرنسية بنفس الطريقة وذات اللون “الداعشي”، السؤال الذي يفرض ذاته هنا: ما هو موقف الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية والدول الكبرى من حالة الفوضى المرعبة التي وصل إليها واقع الأمن والسلم العالمي في ظل غياب استراتيجيا موحدة لوقف الأعمال الإرهابية التي تُهدد الأمن والاستقرار في كل دول العالم دون استثناء  ومن هي الجهة أو الدولة المعنية بمتابعة تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة ومحاسبة الدول والمجموعات التي تخترقها؟ ألم تقم حكومة أردوغان في تركيا وحكومة الأردن والنظام الحاكم في السعودية بتسهيل مرور الإرهابيين وتقديم الدعم المالي واللوجستي والسلاح والتدريب ومدهم بكل الوسائل المساعدة للقتال في سورية دون أن نسمع مجرد إدانة دولية لهذه الأعمال المخالفة لقرارات مجلس الأمن الناظمة ؟

دول العالم مدعوة اليوم لتحضير نفسها وشعوبها لمواجهة حملة شرسة من الأعمال الإرهابية المنظمة التي ستكون سبباً في زعزعة استقرار جميع الدول دون استثناء، بعد أن وصلت التنظيمات الإرهابية إلى هذا المستوى من القوة والسطوة والأذرع التي تنتشر في كل مكان باسم الدين وتحت قبب المساجد وغيرها من المواقع ، وأصبح معها من الصعوبة بمكان كشف نواياها وخططها التي تعمل على تنفيذها، (وإن من يُربي الثعبان عليه أن يتحمل لدغه)، من هنا لا بدّ من تحرك دولي فاعل وصادق على كافة المستويات لوضع رؤية موحدة ووضع أسس واضحة وشفافة و جدية لمواجهة الإرهاب الدولي والتعاون مع الحكومات الوطنية الشرعية في المنطقة العربية وخارجها، وخاصة مع الحكومة السورية وجيشها الوطني الذي أثبت فاعلية مميزة في حربه ضد التنظيمات الإرهابية بكل أسمائها وألوانها، وتحميل الدول المساندة للإرهاب مسؤولياتها تجاه سياساتها المخالفة للقانون الدولي والشرائع الدولية، وفي غياب هذا التعاون سيستمر الإرهاب بالتوسع والانتشار دون رادع، عندها لا يُمكن الكلام عن استراتيجية دولية حقيقية للحفاظ على الأمن والاستقرار العالمي، ولا ينفع الندم والنحيب على النتائج التي يُمكن أن تحصل هنا أو هناك !!

محمد عبد الكريم مصطفى