مساحة حرة

هدوء الشارع الأردني .. لماذا ؟ أي خيارين أقل كلفة للأردن ؟

محمد شريف الجيوسي
لم يعد سراً تكاتف دول عربية وإقليمية ودولية ، ضد سورية والعراق واليمن ، وهي ما رفضته على سبيل المثال الأحزاب القومية واليسارية الأردنية في بيانات معلنة محذرة من التورط في التحالفين الأمريكي والسعودي ، كما رفضه بذات القدر المتقاعدون العسكريون الأردنيون ؛ الذين لا يمكن احتسابهم على المعارضة ؛ ولكنهم يدركون بحس وطني عال ، أن هذا الانزلاق لا يشكل خطراً على سورية أو العراق واليمن فحسب وإنما أيضا على الأردن ، واغلب المتدخلين في التحالف إن لم يكن جميعهم .
وهناك شخصيات أردنية عديدة داخل وخارج مؤسسات الدولة الأردنية ، من مواقع وخلفيات متباينة يدركون هذا الخطر ويحذرون منه همساً وعلناً .
لكن الرفض الشعبي الأردني لهذا التدخل لم يعد بذاك الزخم ( الشارعي ) الذي كان عليه قبل سنة وأكثر، ولم يعد ليتجاوز حدود إطلاق البيانات والتصريحات الصحفية والمقالات والحوارات على الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى .. ولذلك أسبابه، ففي ذروة الصعود الأردني المعارض لسياسات الحكومات المتعاقبة ( وقبل أن يتبلور الانخراط الاردني في التحالفات الدولية على نحو ما هو عليه الآن) استقوى الإخونيون على الدولة والمجتمع الأردني ، وقاموا بتحركات استعراض للقوة بمواجهة النظام والشارع الأردني وحلفاء ( الأمس ) وفكوا تحالفهم بتنسيقية أحزاب المعارضة ، وعرضوا على الحكومة الأردنية الحديث مع سلطة مرسي العياط لإستئناف ضخ الغاز للأردن ، في رسالة استفزازية أخرى غير مقبولة .
وأمام ما كان يحدث في تونس ( الخاضعة لسلطة إخوانها وقتذاك ) وممارسات الإخونيين في عهد العياط بمصر، ودعوتهم لتوريط الجيش المصري في سورية، وإطلاق صفة الصديق العظيم على بيريس وفي آن إغلاق السفارة السورية في القاهرة ، وما كان يحدث في سورية على يد العصابات الإسلاموية الإرهابية المسلحة ، وما حدث في ليبيا من ذهاب للدولة وإنتشار العصابات الإرهابية المسلحة في كل مكان فيها ، وصعود القاعدة في اليمن ودعوات العودة لـ ( التشطير ).
وفي الأردن تعرض أردنيون أصدقاء لسورية في مدينة إربد الشمالية لاعتداء إسلامويين بالسلاح الأبيض ، على مرأى من رجال أمن.
وقام من يسمون سلفيون جهاديون بمسيرة بالسيارات في ياجوز .. وهم يحملون رايات داعشية أو نصروية وظهرت أشياء شبيهة في معان والرصيفة . وفي الزرقاء حدث التحام بالسلاح الأبيض بين جهاديين ورجال أمن أمام مسجد ، ذات يوم جمعة .
وظهرت مستودعات اسلحة ومصنع له في الشمال وكثر اقتناء السلاح على نحو غير مسبوق مع تعاظم الشجارات العشائرية والجامعية وانتشار سرقة السيارات وتهربب المخدرات وتجارة البشر .
كل ما سبق أقنع الشارع الشعبي الوطني الأردني ، بضرورة الخلود إلى التهدئة ، لكي لا ينزلق البلد إلى مثيل ما في حدث في بلدان أخرى نتاج الخريف الامريكي وصعود المحسوبين على الإسلام من تكفيريين ووهابيين وإخونيين وتفريخاتهم الداعشية والنصروية ، بخاصة وأن البديل للنظام السياسي الأردني ، هو الإخونة في أحسن الحالات ، وهو ما شهد الشارع الأردني نماذج له دموية فتنوية مذهبية وطائفية تمييزية وجهالية ظلامية ، مما هو مرفوض جملة وتفصيلا ، وبكل المقاييس ، وكرست هذه القناعة استقواء إخونيي الأردن على الشارع الأردني وانحيازهم الى جانب إخونيي سورية والعراق ، ومحاولات اقتحام السفارة السورية بالقوة في حين تجاهلوا السفارة الصهيونية القابعة على قلوب الأردنيين أعلنوا ذلك أو كظموا غيظهم .
وحيث أن الإخونة عادت للفشل في كل من تونس ومصر ، وتم حظرها في السعودية ( لتنافس على الدور ) وفي الإمارات ومصر تبعاً لها ، وحيث حدث انشقاق كبير داخل الأردن (شجعته الحكومة الأردنية) فقد تراجعت فعالياتهم التظاهرية ، ما عكس تراجعا مماثلا على صعيد القوى القومية واليسارية أحزاباً وتيارات ، ولذات السبب ( الذي أشرنا غليه آنفاً ) سلكت القوى القومية واليسارية طريق تجنيب البلد ما حدث في بلدان عربية عديدة ، وبالتالي حرص القوميون واليساريون على الحيلولة دون خلق الظروف الملائمة لحلول إسلامويين محل النظام السياسي الراهن أو مشاركتهم في الحكم (في حين دعت شخصيات ليبرالية أردنية محسوبة على واشنطن إلى إشراك الإسلامويين في الحكم على الأقل مطلفين المحسنات البديعية في ذلك والمعلقات بأنهم لا يشكلون خطراً على الدولة الأردنية ).
لقد وجدت القوى القومية واليسارية في الأردن ، نفسها بين خياري الخريف الأمريكي والإسلام الأمريكي الصاعد ، وبين القبول بالنظام السياسي على علاته خشية الانجرار الى حالة الفوضى المرسومة بدقة ، رغم كل الملاحظات المعلنة على النظام ، وما هو عليه من واقع التبعية ، وانحيازه ضد سورية ؛ رغم البيانات السياسية ( الجميلة ) التي تتحدث عن الحل السياسي ووحدة سورية أرضا وشعباً، مكتفية هذه القوى بالمعارضة الهادئة في حدود سقفها المتمثل في البيانات والتصريحات والمسيرات المحدودة المتباعدة .
وقد استفاد الأردن الرسمي من فشل الإخوان من تحقيق إنجاز في سورية ومن تراجع حالتهم في مصر وتونس ، ومن سوء النموذج الذي قدموه في غير ساحة عربية وصلها ارهابيون إخونيون أو قاعديون أو داعشيون وأمثالهم ، ومن حظر غير دولة عربية لهم وما اعتراهم في الأردن من شرذمة ورفض الشارع الشعبي لطقوسهم واستقوائهم عليه ، ومن حالة الهدوء التي مارسها القوميون واليساريون خشية انزلاق البلد الى ما لا يحمد عقباه . . فانخرط علنا ومباشرة وبالقدر المطلوب منه دون تردد أو مفاضلة بين خيار وآخر ، في التحالفين الأمريكي والسعودي ، على نحو بات يهدد أمنه القومي ونسيجه الوطني ، سواء حقق الأمريكان غاياتهم النهانية في سورية وفي العراق واليمن وليبيا ومصر أو لم يحققوا !؟ .
ففي حال حقق الأمريكان خططهم في تمزيق المنطقة وإقامة دول مذهبية طائفية إثنية ، فإن هذا سيعكس ذاته على الأردن ، من حيث امتداد حالة عدم الاستقرار إليه ، ومن حيث استغلال الكيان الصهيوني للحالة الناشئة هذه ( أشرت إلى تفاصيلها في مقالة سابقة ) ومن حيث أيضاً أن واشنطن لن تعود في حاجة للدور الأردني الوظيفي ، فسيكون هناك أكثر من خادم مجاني في المنطقة .
وفي حال فشلت أمريكا في تحقيق الدور وهو المرجح المؤكد ، فستكون هناك شروخ مع سورية والعراق ، وبقدر أقل في اليمن والبحرين ، وسيكون المنتصر أقدر على فرض شروطه كما هي قوانين الحرب والسياسة ، وستكون فيروسات المرض التي قلنا اننا بصدد القضاء عليها والانتفاع بنتائج ذلك ، قد انتقلت عدواها إلينا ، ونخرت عظامنا .
بكلمات ، إن الخلاص من هذا المازق ، يكون بمواجهته ، بعدم الانخراط فيه ، فكلف عدم الانخراط أقل بكثير من أكلاف التورط ، بل إن عدم احتراق الأردن في لجة الفوضى الإقليمية التي أعلنت عنها كونداليزا رايس قبل نحو 10 سنوات ( الفوضى الخلاقة ) سيبقي على حاجة الأمريكان له .. !؟ كما لن يكون لسورية والعراق مع الأردن اي نوع من الثارات ، ولن تتاح لفيروسات الإرهاب الانتقال للجسد الأردني، بإحكام الحدود مع الخارج وبالتنسيق في ضبطها مع الجيوش الوطنية في دول الجوار العربية، لا مع التحالفين الأمريكي والسعودي.